برز جدل جديد في ليبيا حول توزيع الثروة الوطنية وعائدات النفط وسط تنافس على السلطة بين المعسكرين السياسيين المتنافسين.
آخر شخصية تنضم إلى جوقة الأصوات التي تضغط من أجل “التوزيع العادل” لموارد البلاد هو القائد العام للجيش الوطني الليبي ، المشير خليفة حفتر.
ومع الاعتراف بأن “الحل الحقيقي للقضية الليبية يكمن في إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية” ، أصر حفتر على تشكيل لجنة عليا لدراسة الترتيبات المالية لـ “التوزيع العادل” للإيرادات بين البلديات.
لكنه لم يقترح أي خطوات عملية لدفع العملية الانتخابية قدما.
خلال اجتماع مع قادة عسكريين يوم الاثنين ، قال رئيس الجيش الوطني الليبي إن تقارير ديوان الرقابة المالية والرقابة الإدارية في طرابلس تظهر أن أكثر من 200 مليار دينار قد تم إنفاقها “دون أي فائدة للشعب الليبي”.
وأضاف المشير أن تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد جعل “من الملح أكثر من أي وقت مضى اتخاذ خطوات عملية لتوزيع عائدات النفط بشكل عادل”. وأشار إلى أن مصرف ليبيا المركزي ، ومقره طرابلس ، كشف رسمياً أن الإنفاق الحكومي قدر بنحو 122 مليار دينار ، فيما بلغت عائدات النفط 135 مليار دينار.
وحذر حفتر من أن الجيش الوطني الليبي سيفرض مهلة لا تتجاوز نهاية أغسطس / آب المقبل للتوزيع العادل للثروة النفطية الليبية.
كما اشتكى أسامة حمد ، رئيس الحكومة الموازية في شرق ليبيا ، من “التوزيع غير العادل” لعائدات النفط ، مما يهدد بعرقلة صادرات النفط. وطالب بمصادرة العائدات التي تديرها الإدارة المنافسة في المنطقة الغربية.
تدار عائدات النفط ، وهي المصدر الرئيسي للدخل في ليبيا ، من قبل المؤسسة الوطنية للنفط ومصرف ليبيا المركزي ، ومقرهما في العاصمة طرابلس ، حيث مقر حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة بقيادة عبد الحميد دبيبة.
واندلع الخلاف بشأن عائدات النفط قبل نحو أسبوعين عندما هدد النواب بوقف تصدير النفط وطالبوا بتوزيع عادل للثروة. وتزامن الجدل مع إطلاق دبيبة لعدد من مشاريع البنية التحتية.
أثار الإعلان عن المشاريع استفزاز معارضي دبيبة ، لا سيما وأن السفير الأمريكي ريتشارد نورلاند قال في ديسمبر 2021 ، عندما تولت حكومة دبيبة السلطة إلى حد كبير لتنظيم انتخابات بعد عام ، أنه اتفق مع محافظ البنك المركزي ، صادق الكبير ، على أن ستقتصر الميزانية الحكومية على تمويل الخدمات الأساسية والرواتب.
منذ وصوله إلى السلطة ، اتُهم دبيبة باستخدام المال العام لكسب الليبيين وتأمين أصواتهم في الانتخابات المقبلة. كما أثارت التكلفة العالية لبعض المشاريع الشكوك حول فساد.
يقول الخبراء إن الدعوات إلى التوزيع العادل للثروة والحد من الفساد تشكل أوراق ضغط لكسب التأييد لتشكيل حكومة جديدة. وهذا بدوره سيسمح لحفتر بالاحتفاظ بمنصبه الحالي بينما سيبقى مجلس النواب ومجلس الدولة في السلطة لبضع سنوات أخرى ، خاصة وأن توزيع الثروة ليس من مسؤولية الحكومة ، بل مسؤولية البنك المركزي. .
تعترض الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة على تشكيل حكومة جديدة. رفض السفير الأمريكي ريتشارد نورلاند الفكرة مرارًا وتكرارًا ، مما أكسبه مكانة منبوذة في المنطقة الشرقية.
وانتقد حفتر في خطابه نورلاند وسفراء آخرين واتهمهم بتأجيج التوترات في بلاده. وتحدث رئيس الجيش الوطني الليبي عن ضرورة أن يكون الحوار بين الليبيين ، مؤكدا بشكل غير مباشر دعمه للبرلمان وحث مجلس الدولة على تشكيل حكومة جديدة.
لا يتوقع المحللون أن تتراجع العواصم الغربية عن معارضتها لإنشاء إدارة جديدة ، ليس لأنهم يفضلون بقاء الدبيبة في السلطة بل لأنهم يعتقدون أن الدافع لتشكيل حكومة جديدة سيعني تأخير الانتخابات لبضع سنوات أخرى.
يتابع المحللون بحذر التقارب بين تركيا ومصر ولا يستبعدون احتمال أن يؤثر التطبيع بينهما سلباً على دعم أنقرة لحكومة الدبيبة ويدفعهم إلى دعم فكرة الحكومة الجديدة.
تعتبر تركيا الداعم الإقليمي الرائد لدبيبة. وكانت قد عارضت في السابق تشكيل حكومة “موازية” عندما عيّن البرلمان فتحي باشاغا قبل نحو عامين رئيساً للإدارة الجديدة ، على أساس أن ولاية الدبيبة انتهت بعد انتخابات 24 كانون الأول (ديسمبر) 2022 الفاشلة.
ولا يستبعد مراقبون أن تتخلى تركيا عن دبيبة هذه المرة في إطار تقاربها مع مصر وبعد إبعاد باشاغا عن المشهد الذي فقد ثقة أنقرة بسبب صلاته الوثيقة بفرنسا.
ويدور الحديث الآن عن ترشيح رئيس ديوان المحاسبة خالد شكشك المحسوب على جماعة الاخوان لرئاسة الحكومة الجديدة.
وأشاد حفتر بشكشك في خطابه الأخير ، واصفا إياه بـ “أحد رجال الوطن” ، بينما يتحسر على حقيقة أن “ليبيا من بين الدول الست الأكثر فسادا في العالم”.
