الخرطوم
يجلس أبو إبراهيم بجوار منزله المدمر، ويبكي ابنه وأحفاده السبعة الذين قتلوا بسبب الفيضانات المفاجئة في اليمن، حيث تتسبب الأمطار الغزيرة المتزايدة في زيادة البؤس في البلد الفقير الذي مزقته الحرب.
وأشار القروي ذو اللحية الرمادية إلى الجدران الحجرية المنهارة، وهي كل ما تبقى من منزلهم بعد أن خلفت السيول الجارفة والانهيارات الأرضية ندوبًا كبيرة على طول سفح الجبل.
أبو إبراهيم، الذي يعيش بالقرب من المكان، حاول حبس دموعه عندما تذكر الصوت المروع الذي سمعه عندما انهار منزل ابنه وسط الطوفان.
وأضاف “بعد وقت قصير، رأت زوجتي أن منزل إبراهيم لم يعد موجودا”.
“فصرخت بصوت عال قائلة: لقد جرف السيل إبراهيم وأولاده!”
ولم يكونوا الوحيدين الذين قتلوا أو أصيبوا أو شردوا بسبب الأمطار الموسمية هذا العام، والتي يقول الخبراء إنها ازدادت شدة وتواترا بسبب تغير المناخ.
وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية، فإن نحو 40 شخصا لقوا حتفهم أو فقدوا منذ وقوع الكارثة في مديرية ملحان بمحافظة المحويت، وهي جزء من مساحة شاسعة من اليمن يسيطر عليها المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران.
وقالت أوتشا إن 15 منزلاً دمر، ولحقت أضرار بالغة بـ50 منزلاً آخر، مما أجبر 215 أسرة على اللجوء إلى المدارس القريبة.
وفي مختلف أنحاء اليمن، لقي نحو 100 شخص حتفهم جراء الفيضانات خلال الأسابيع الأخيرة، بحسب حصيلة أعدتها وكالة فرانس برس استناداً إلى بيانات الأمم المتحدة.
وقد تأثر أكثر من 560 ألف شخص في جميع أنحاء البلاد منذ أواخر يوليو/تموز، وفقاً للمنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة.
وقال مات هوبر، القائم بأعمال رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة في اليمن، والتي ناشدت الأسبوع الماضي توفير 13.3 مليون دولار من أموال الطوارئ، إن “حجم الدمار مذهل”.
وتشهد جبال غرب اليمن هطول أمطار موسمية غزيرة، لكن الظروف الجوية القاسية هذا العام “غير مسبوقة”، بحسب هوبر.
وفي مأساة ميلهان، اصطدمت الانهيارات الأرضية بالمنازل ودفنت بعض سكانها.
وقال عبد الله الملحاني، وهو جار آخر لإبراهيم وعائلته: “سمعنا الجبل يهتز”.
وقال صندوق الأمم المتحدة للسكان في بيان على موقعه الإلكتروني إن “وصول عمال الإغاثة أصبح مستحيلا تقريبا” بسبب “الطرق المدمرة والمغمورة بالمياه”.
ونشرت صورا لجمال تحمل المساعدات للقرويين المنكوبين عبر تضاريس متعرجة وجبلية.
أدت الفيضانات في اليمن إلى تدمير المنازل ونزوح آلاف الأسر وإلحاق أضرار جسيمة بالبنية التحتية الحيوية مثل المراكز الصحية والمدارس والطرق.
وكانت أفقر دولة في شبه الجزيرة العربية، والتي غرقت في حرب أهلية منذ عام 2015، تعاني بالفعل من سوء التغذية المتزايد، كما عانت من ارتفاع حالات الكوليرا المرتبطة بالأمطار الغزيرة والفيضانات.
وحذرت منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة الشهر الماضي من أن الوضع قد يتفاقم في الأشهر المقبلة.
وقالت منظمة الصحة العالمية إن من المتوقع أن تشهد مرتفعات اليمن الوسطى والمناطق الساحلية على البحر الأحمر وأجزاء من المرتفعات الجنوبية “مستويات غير مسبوقة” من الأمطار تتجاوز 300 مليمتر.
وقالت مها الصالحي، الباحثة في منظمة هولم أخضر، وهي مجموعة بيئية يمنية، إن “تغير المناخ لا يؤدي فقط إلى زيادة وتيرة الفيضانات، بل وأيضا إلى جعلها أكثر شدة”.
قال وكيل وزارة الأرصاد الجوية المساعد في العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين، محمد حامد، إن تكرار الظواهر الجوية المتطرفة في اليمن يشير بوضوح إلى تأثيرات تغير المناخ.
ومنذ مايو/أيار 2015، شهدنا نحو تسعة أعاصير استوائية، أو إعصار واحد كل عام، وهو عدد مرتفع بشكل غير عادي، بحسب ما قاله حامد لوكالة فرانس برس.
وأضاف “نحن بحاجة إلى الاستعداد لأعاصير جديدة” في أكتوبر/تشرين الأول.
يقول خبراء الطقس إنه مع ارتفاع درجة حرارة الكوكب، يمكن للهواء الدافئ أن يحتفظ بمزيد من الرطوبة، مما يؤدي إلى حدوث عواصف أثقل وأكثر تواترا.
وقال كريم الجندي، مستشار المناخ والزميل المشارك في مركز تشاتام هاوس للأبحاث، إن البنية التحتية المتهالكة في اليمن وقدرات الاستجابة للكوارث، التي أضعفتها سنوات من الصراع، تزيد من التهديد الذي يشكله تغير المناخ.
وقال إن “مزيج أحداث هطول الأمطار الأكثر تطرفًا وبلد غير مستقر بسبب الحرب جعل اليمن عرضة بشكل استثنائي لهطول الأمطار غير المسبوقة، مما أدى إلى فيضانات كارثية في العديد من المحافظات”.
