لا أدري إن كان من القواعد أو المألوف أن نقول إن عملاً صغيراً في مجال التنمية الاجتماعية قادر على إطلاق آلاف بل وحتى أعداد لا حصر لها من الأعمال الصغيرة والكبيرة للتغيير والنمو المستدام.
في المغرب، ربما كان هناك إجراء متواضع نسبيا تم اتخاذه قبل 32 عاما، على الرغم من أنه في ذلك الوقت، وفي غياب النمط التاريخي لقياس أهميته، كان يبدو كبيرا أو عظيما مثل أي عمل جيد.
لقد كان لهذا الأمر تأثير متواصل بالنسبة لي ولأهل المنطقة، حيث تميز بوجود لوحة إرشادية لم تعد هناك حاجة إليها ولا تزال قائمة، وقد أصابها الصدأ الآن، وكان بمثابة دليل وإلهام إلى جانب سياسات وطنية مشجعة يمكننا من خلالها أن نتتبع العقود التالية من المشاريع التي حددها المجتمع.
في عام 1992، تم تكليف مجموعة من متطوعي فيلق السلام البيولوجي بإجراء جرد للحياة الطبيعية في المتنزهات الوطنية في المغرب، بما في ذلك أقدم وأكبر منطقة محمية (في ذلك الوقت) في قلب جبال الأطلس الكبير: منتزه توبقال الوطني.
وقال أهالي قرية أرومد لـبراين جاي من هيئة السلام، إن المتنزهين إلى قمة جبل توبقال، أعلى قمة في شمال أفريقيا، لم يكونوا على دراية بأنهم كانوا يسيرون عبر مقبرة القرية، وهو مكان مقدس ومهيب حيث لم يرعى الرعاة قطعانهم أبدًا.
لقد طلبوا من إدارة الحديقة في الوكالة الوطنية للمياه والغابات تركيب لافتة تحذر الزوار من المشي فوق رفات الموتى الأعزاء. ولقد استجابت إدارة الحديقة لهذا الطلب بالطبع، وهكذا بدأت البوابة الراسخة للتعاون بين المجتمع والحديقة، والتنمية مع المجتمعات المجاورة للحدائق الوطنية والغابات في البلاد، وأكثر من ذلك بكثير.
لقد وصلت إلى المغرب في العام التالي، ولحسن الحظ، تزامنت مهمتي في هيئة السلام مع مهمة برايان. لقد استوعبت بصدق الدروس المستفادة من تجربته ومن تلك العلامة، وتوصلت إلى فهم الاحتياجات التي تحددها المجتمعات وتعبر عنها ومسؤولية وكالات التنمية في الاستجابة وفقًا لذلك.
إن هذا المبدأ الأساسي للاستدامة بسيط للغاية، ومع ذلك فقد استغرق الأمر عقودًا من الزمن حتى تتمكن الأجيال المتعاقبة في جميع أنحاء العالم (وقد تتطلب أجيالًا قادمة) من التخلي حقًا عن السيطرة المدمرة للتخطيط المركزي لصالح اتخاذ الناس قراراتهم بأنفسهم لأنها تؤثر على حياتهم.
في عام 2000، أسست مؤسسة الأطلس الكبير، وهي منظمة مغربية أميركية ملتزمة بمساعدة التنمية التي تستجيب بالكامل للمجتمعات المغربية. وأيًا كان ما أصبحت عليه مؤسسة الأطلس الكبير، فلا بد أن يعكس التزام المغرب الذي لا يقبل الجدل بالتنمية المستدامة وتحقيقها من خلال النهج المجتمعي التشاركي.
في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وبعد وقت قصير من اعتلاء الملك محمد السادس العرش، كان الإطار المغربي للمصالحة والوحدة الوطنية مدفوعًا بالتعبير عن الذات والاعتراف بها. وقد أعقب هذه العملية تحرير المجتمع المدني لتحديد مهامه ومواصلتها على النحو الذي يعزز سبل العيش والصحة العامة والبيئة الطبيعية.
وبحلول عام 2004، تم تدوين عملية تمكين المرأة على المستوى الوطني، مع ترسيخ قانوني أكبر للمساواة بين الجنسين في الوقت الحاضر. وفي عام 2005، تم إنشاء المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في المغرب. وهي مصدر تمويل بمليارات الدولارات لمشاريع التنمية المحلية في مختلف القطاعات.
ومن المهم أيضاً أن نلاحظ أن الاستدامة تعتمد جزئياً على الموارد الطبيعية، ولكنها تعتمد أيضاً على العوامل الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والتاريخية والجغرافية والمالية والتقنية. ومن ثم، فمن الواجب أن يتم تصميمها على أساس الإدماج، مع التركيز على المجتمع، من أجل الاستفادة من كل هذه المنظورات الحاسمة وتوليد الفوائد في هذه المجموعة من المجالات أيضاً.
ثم جاء ميثاق البلديات الوطني ليلزم جميع المسؤولين المنتخبين محليًا بإنشاء خطط تنمية تشاركية من قبل الشعب ومن أجله، ووضع مبادرات مشاريع قصيرة وطويلة الأجل تعكس الإرادة المشتركة.
وقد التزمت خارطة الطريق الخاصة باللامركزية لعام 2008 الهياكل الإدارية الوطنية بتمكين المستويات دون الوطنية وإقامة شراكات بين القطاعين العام والخاص لتحقيق مشاريع وأهداف التنمية المحددة محليا.
لقد نص دستور 2011 على عظمة الأمة في التنوع وفي إتاحة الفرصة لها للنمو فرديا وجماعيا. والتعددية الثقافية المغربية هي انعكاس تاريخي ومحتفى به ومطابق للحياة اليومية العادية، والأمة ترى هذا الجمال في ذاتها وتسعى بحق إلى استغلال ديناميكيتها في تحقيق التنمية البشرية المستدامة.
إن الوحدة بين بلدان الجنوب والمغرب العربي وأفريقيا تشكل أيضا ركائز أساسية للمجتمع المغربي وأولويات وطنية كبرى، مع الأخذ في الاعتبار أن الإقليمية على هذا النحو ليست ضرورية فقط لتحقيق الرخاء والأمن المشتركين (بما في ذلك البيئة)، بل إنها تشكل أيضا حجر الأساس نحو تأمين الفوائد التحويلية للعولمة. وقد اكتسب التزام المغرب بالطاقة المتجددة مكانة مرجعية عالمية.
كانت اللافتة في قرية أرومد بالنسبة للعديد من الناس بمثابة الإشارة الأولى إلى الاتجاه المغربي الذي كان يتزايد انتشاره. ولا تزال المشاريع التي تم تنفيذها منذ ذلك الحين، والتي نأمل أن تتحقق قريبًا، تشترك في هذا المفهوم الأساسي المتمثل في وضع المجتمع أولاً، مع النية الطيبة والاستراتيجية لتحسين حياة الناس على نطاق واسع.
ولكن مع هذه الإمكانات اللانهائية يأتي أيضاً واقع أن التنفيذ يظل غير مرضٍ بالنسبة لغالبية الناس، وخاصة في المناطق الريفية، وبشكل أكثر حدة في الأماكن الجبلية، حيث تتركز ظروف الفقر في جميع أنحاء العالم، للأسف.
ولم يتم تطبيق المنهجية أو الأنشطة التشاركية بشكل موحد، على الرغم من أنه يمكن تدريبنا على تطبيقها بشكل فعال في بيئات مجتمعية حقيقية ومساعدة الأفراد والمجموعات على معرفة ما يسعون إليه أكثر من أي شيء آخر ومتابعة المشاريع التي من شأنها أن تجلب المعنى إلى حياتهم.
إن الأساليب المستخدمة في تحليل الناس لأنفسهم وتحديد أولوياتهم وتخطيط أعمالهم، والتي ترتبط بمصالحهم الشخصية التي يصفونها بأنفسهم، لابد وأن تعكس أيضاً خصائص الموقع، والمعايير الثقافية، والظروف النسبية. وبعبارة أخرى، لابد وأن تتكيف هذه الأساليب مع المجتمع الذي يستفيد من تجربة التنمية أو تولد منه بالفعل.
بالإضافة إلى التحدي المتمثل في تشكيل المنهجية، هناك إنشاء برامج تعليمية تجريبية واسعة النطاق للأشخاص من جميع مناحي الحياة والوكالات والقطاعات والشركات والأماكن التي تتفاعل مع المجتمعات المستفيدة أو تنتمي إليها.
على سبيل المثال، تريد الوكالة الوطنية للمياه والغابات تدريب جميع حراس الغابات في البلاد على تسهيل التخطيط التشاركي وأساليب التمكين لإشراك المجتمعات في تنميتها الذاتية. وهم بحاجة إلى تحفيز هذه العمليات ومساعدتها إلى الحد الذي يسمح بتصميم المشاريع وتنفيذها وتقييمها وتحسينها وتكرارها وتوسيع نطاقها، وأخيراً تلبية النية المغربية الشاملة: التنمية المستدامة الوطنية التي يقودها المجتمع.
ورغم أن هذا المشروع يشكل مهمة شاقة وضرورية، فإنه ممكن، ومن الضروري أيضا توفير تمويل مرن يلبي احتياجات المجتمعات المحلية المتنوعة كما تراها. على سبيل المثال، هناك حاجة إلى الدعم لمعالجة أزمة المناخ بشكل فعال وتعزيز قدرة المجتمعات على الصمود في مواجهة الصدمات الاقتصادية والكوارث الطبيعية قبل وأثناء حدوثها وإعادة البناء بعد ذلك.
إن تأمين التمويل الحيوي يشكل التحدي المتمثل في إطلاق حركات التنمية المجتمعية في ظل التصميم المشترك من جانب الناس ودعمهم لمشاريعهم (وهي عملية ليست سلسة أو خطية على الإطلاق، ولكنها تتطلب إجماعاً صادقاً إذا أردنا تحقيق الاستدامة). إن أغلب الجهات المانحة للتنمية تضع معاييرها الخاصة فيما يتصل بما تدعمه من تمويل، ولكن هذا قد لا يتوافق تماماً مع الأولويات العليا للمجتمعات.
من مجرد لافتة عادية تم وضعها على الأرض، أشارت إلى الاتجاه نحو رؤية تنموية وطنية ونموذج دولي راسخ يحظى بتقدير الناس في المغرب وخارجه.
إن الرحلة الهادفة هي بمثابة هبة، وخاصة عندما تلتقي بصراع الفقر الذي يمتد إلى أعماق الأرض. ونأمل أن تتضمن هذه القصة المغربية قريباً فصلاً حاسماً حيث يصبح نموذجها التشاركي للتنمية المستدامة للجميع بمثابة علامة إرشادية متجذرة لتوجيه الأمم على طول رحلاتها نحو تحقيق الذات البشرية.
