القاهرة
أثار العرض الأول لفيلم الست، الذي يروي قصة حياة المطربة المصرية الأسطورية أم كلثوم، عاصفة من الجدل على وسائل التواصل الاجتماعي في مصر بعد تصريحات كاتب سيناريو الفيلم أحمد مراد.
وفي معرض حديثه في مهرجان مراكش الدولي للسينما، وصف مراد كتابة السيناريو لحياة أم كلثوم بأنها “أصعب مهمة” في مسيرتها المهنية، مضيفًا، مجازيًا، أن صنع فيلم عن النبي محمد “كان سيكون أسهل قليلاً”.
التعليقات، التي تهدف إلى تسليط الضوء على التحدي الفني المتمثل في تصوير شخصية ثقافية بارزة، سرعان ما أثارت اتهامات بالتجديف من الأوساط المحافظة.
الفيلم من بطولة منى زكي وإخراج مروان حامد، عُرض لأول مرة في 3 ديسمبر في مهرجان مراكش.
ودافع زكي، أحد أشهر الممثلين المصريين، عن المشروع خلال الجلسة نفسها، قائلاً: “لم أقم بهذا الدور إلا لأنني أثق في مروان حامد وأحمد مراد، والفيلم يظهر أم كلثوم كشخص عادي قبل أن تصبح أيقونة، بكل نقاط ضعفها وقوتها، ويحتفل بتراثها دون احترام”. وساعد بيانها في تهدئة بعض المنتقدين لكنه لم يمنع انتشار الدعوات للمقاطعة على الإنترنت.
وتصاعد رد الفعل العنيف عندما دخلت الأصوات السلفية إلى الساحة، منددة بتصريحات مراد باعتبارها “إهانة لمقدساتنا الدينية” ودعت إلى مقاطعة الفيلم. في 3 ديسمبر/كانون الأول، قدم أيمن محفوظ، المحامي لدى محكمة النقض، شكوى رسمية إلى النائب العام يتهم فيها مراد بالتجديف بموجب المادة 98 (و) من قانون العقوبات المصري، التي تنص على عقوبات تصل إلى السجن لمدة خمس سنوات أو غرامة مالية لاستغلال الدين للترويج لأفكار متطرفة أو ازدراء الأديان السماوية.
ووصف محفوظ التصريحات بأنها “طعنة للنبي وضربة قاصمة لمشاعر المسلمين”، مطالبا بإجراء تحقيق عاجل ومنع مراد من السفر.
وتزامن هذا الجدل مع تزايد الاهتمام بالفيلم قبل عرضه في السينما المصرية في 10 ديسمبر/كانون الأول، مما أدى إلى ارتفاع بنسبة 300 بالمائة في عمليات البحث عبر الإنترنت. أدت الحملات على وسائل التواصل الاجتماعي، التي تضم صور مراد واللغة الاستفزازية، إلى تضخيم النقاش، وتسليط الضوء على التوتر بين التعبير الثقافي والحساسيات الدينية في مصر.
ويشير مراقبون إلى أن النقاش يمثل فرصة للجماعات السلفية لتأكيد نفوذها على الإعلام والسينما، خاصة وأن الفيلم يعيد النظر في أيقونات ثقافية مثل أم كلثوم، التي تضمنت مسيرتها المهنية المبكرة أداء الأناشيد الدينية. وينظر الكثيرون إلى الست على أنه محاولة لإعادة صياغة أم كلثوم كرمز ثقافي نسوي، متجاوزًا بداياتها الدينية. ويسلط هذا الجدل الضوء على مخاوف أوسع بين الأوساط الإسلامية المحافظة بشأن فقدان السيطرة على السرد الثقافي في العصر الرقمي.
كان مراد في السابق هدفًا للانتقادات، كما حدث في عام 2019 بسبب عدم احترامه لتراث نجيب محفوظ، مما عزز مكانته كشخصية محل اهتمام الحملات المحافظة. وفي الوقت نفسه، حضرت عائلة أم كلثوم عرضًا خاصًا في 5 ديسمبر/كانون الأول في القاهرة، وأشادت بالفيلم باعتباره تحية احترام وتكريمًا لذكراها دون المساس بالقيم الدينية.
أصبح الفيلم، الذي احتُفي به دوليًا لتصويره لحياة المغني وإنجازاته، نقطة اشتعال في الجدل الدائر حول الحرية الفنية والتبجيل الديني ودور السينما في تشكيل الهوية الثقافية الوطنية.