Connect with us

Hi, what are you looking for?

اخر الاخبار

لبنان: أمة على مفترق الطرق

كانت رحلة لبنان نحو الاستقرار محفوفة بالمخاطر منذ فترة طويلة. لكن انتخاب جوزيف عون رئيساً وتعيين نواف سلام مؤخراً رئيساً للوزراء جلب بصيصاً من الأمل لأمة تعيش أزمة.

ومع ذلك، وفي ظل هذا التفاؤل الهش، يظل لبنان منقسما بشدة، ونظامه السياسي في حالة يرثى لها، واقتصاده يتأرجح على حافة الانهيار، ومستقبله غير مؤكد.

وفي عام 2024، أدت استفزازات حزب الله إلى حرب كارثية مع إسرائيل انتهت بهزيمة مذلة للحزب. وبينما تم تدمير البنية التحتية العسكرية لحزب الله، كانت التداعيات بعيدة المدى، مما أدى إلى زعزعة استقرار دولة لبنان الهشة بالفعل. فقد دمرت الغارات الجوية الإسرائيلية أحياء بأكملها، وقُتل وجُرح الآلاف، وتعرضت البنية التحتية للبلاد، التي انهارت بالفعل، لمزيد من الدمار.

وواصلت الليرة اللبنانية، التي انخفضت قيمتها بأكثر من 95 بالمئة منذ عام 2019، تراجعها السريع. فالتضخم يرتفع إلى عنان السماء، والبطالة بلغت مستويات قياسية، والخدمات العامة تكاد تتلاشى، والفقر منتشر على نطاق واسع.

لقد فشلت الطبقة السياسية في البلاد، على الرغم من وعودها المتكررة، في تنفيذ الإصلاحات اللازمة لإطلاق العنان للمساعدات الدولية. وقد طالب كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بإصلاحات عاجلة وأن ينفذ لبنان إجراءات تقشفية مؤلمة، لكن النخبة السياسية، التي يستفيد الكثير منها من الوضع الراهن، لم تظهر رغبة كبيرة في إحداث تغيير حقيقي.

ومع ارتفاع ديون البلاد بالمليارات وتدهور الاقتصاد، فإن القيادة الجديدة تتطلع إلى مهمة شاقة.

بالنسبة لعون وسلام، السؤال الآن هو ما إذا كان بإمكانهما الإبحار في هذه البيئة المتقلبة وإبعاد لبنان عن حافة الهاوية، أو ما إذا كانت قوى الفساد والطائفية والعنف سوف تثبت أنها أقوى من أن يتم التغلب عليها.

واعتبر انتخاب عون رئيسا خطوة ضرورية لبلد يقف على مفترق طرق. ويحظى عون، وهو قائد عسكري سابق، باحترام واسع النطاق لقيادته الجيش اللبناني، وهو أحد المؤسسات الأخيرة التي تتمتع بالثقة الوطنية.

وفي بلد تنقسم فيه السلطة بين الطوائف الدينية، فإن سمعة عون بالحياد تجعل منه شخصية موحدة محتملة. ومع ذلك، فإن صعوده إلى الرئاسة يسلط الضوء أيضاً على الواقع المرير في لبنان: فالجيش يتدخل حيث فشلت الطبقة السياسية.

ويُنظر إلى تعيينه على أنه خطوة استراتيجية من قبل النخبة السياسية في لبنان لتجنب الانهيار الكامل، لكنه لا يمثل إشارة لبداية جديدة. لقد ورث أمة منقسمة بشدة، حيث كان النظام السياسي الطائفي، المصمم لتوزيع السلطة بين الطوائف الدينية، لفترة طويلة مصدرا للجمود.

سيتعين على عون أن يتنقل بين هذه المصالح المتنافسة، التي ترسخت خلال عقود من الفساد والصراع.

وسوف يتم اختبار قدرته على تأكيد سلطته من خلال الواقع السياسي اللبناني، بما في ذلك الهيمنة المستمرة لحزب الله، الذي لا يزال نفوذه يمتد إلى ما هو أبعد من المسائل العسكرية إلى المجالات الرئيسية في الحكومة والقضاء والأجهزة الأمنية.

إن كيفية تعامل عون مع هذا الواقع ستكون حاسمة. فهل سيكون قادراً على الدفع باتجاه إصلاحات تتحدى قبضة حزب الله على لبنان، أم أنه سيجد نفسه متورطاً في نفس النظام الطائفي الذي يتعين عليه أن يسعى للتغلب عليه؟

  • سلام: رجل ذو خبرة

سلام هو في الوقت نفسه رجل يتمتع بالخبرة، ولكن لديه أيضًا خيارات قليلة. وهو دبلوماسي محنك وقاض سابق، وهو مرشح مثالي لإعادة بناء علاقة لبنان مع العالم الخارجي، على افتراض أن المؤسسة السياسية تمنحه مساحة للتحرك.

ومع ذلك، فإن ولايته كرئيس للوزراء محدودة بسبب الأزمة المستمرة في البلاد: فقد فقد لبنان جزءًا كبيرًا من مصداقيته الدولية بعد سنوات من الفساد وسوء الإدارة، وأصبح اقتصاده على حافة الانهيار التام.

المجتمع الدولي يراقب، لكن المساعدات ستأتي بشروط صارمة. إن قدرة سلام على الإبحار عبر هذا التوازن الدقيق بين تأمين الدعم الغربي والعربي مع الحفاظ على السلام الداخلي الهش في لبنان سوف تحدد مدى بقائه السياسي.

لكن سلام لا يواجه اقتصاداً منهاراً فحسب؛ إنه أيضًا يواجه نظامًا يحفز التقاعس عن العمل. ومن غير المرجح أن تتخلى النخبة السياسية في لبنان، والتي استفاد العديد منها من رعاية حزب الله، عن سيطرتها بسهولة أو تسمح بإجراء إصلاح حقيقي.

بالنسبة لسلام، السؤال هو ما إذا كان قادراً على كسر الجمود، من خلال موازنة الانقسامات الداخلية في لبنان مع التماس الدعم الدولي، أو ما إذا كان سيكون تكنوقراطياً آخر تغلب عليه نفس القوى الفاسدة التي شلت لبنان لعقود من الزمن.

  • الدور المستقبلي لحزب الله

إن خسارة زعيم حزب الله ذو الشخصية الكاريزمية، حسن نصر الله، في غارة إسرائيلية مستهدفة، أدت إلى وضع حزب الله في حالة من الفوضى، مما خلق أزمة قيادة داخل الجماعة نفسها وزاد من تفاقم المشهد السياسي والأمني ​​الهش بالفعل في لبنان. وبدون التوجه الاستراتيجي لنصر الله، فإن حزب الله يخاطر بخسارة الدعم الشعبي والنفوذ في لبنان وخارجه.

تواجه المجموعة فراغًا قياديًا، حيث يتولى خليفة غير مؤكد، مما يفتح الباب أمام الانقسامات الداخلية والصراعات على السلطة. إن فراغ السلطة الذي خلفه موت نصر الله يمكن أن يقدم إما فرصة للإصلاح أو أن يثير دورة جديدة من العنف بينما يسعى حزب الله إلى إعادة تأكيد نفسه.

إن القضية المركزية بالنسبة للقيادة الجديدة للبلاد هي كيفية التعامل مع دور حزب الله المستقبلي في لبنان. وسواء تمكن عون وسلام من كبح جماح نفوذ حزب الله وإعادة تحديد دوره في المشهد السياسي، أو ما إذا كان حزب الله سيستمر في العمل كقوة مارقة تمتلك واحدة من أكبر الترسانات التي يتمتع بها أي جهة فاعلة غير حكومية، فسوف يكون ذلك أمراً حاسماً بالنسبة لمستقبل البلاد.

لا تزال إيران تمثل شريان حياة حاسم لحزب الله، ولكن يبقى السؤال ما إذا كان بإمكانهم الاستمرار في نقل الأسلحة والأموال إلى الجماعة، دون طرق الإمداد التي كانت موثوقة بها من قبل عبر سوريا بعد سقوط الدكتاتور السوري الوحشي بشار الأسد. هل يستطيع حزب الله أن يحافظ على قبضته على لبنان من دون دعم إيران الضخم؟

وعلى الصعيد الخارجي، يواجه حزب الله ضغوطاً متزايدة. ومن المرجح أن تقوم إسرائيل، التي تشعر بالقلق إزاء القدرات المتبقية للجماعة، بتكثيف جهودها لاحتواء أو القضاء على إمكاناتها العسكرية. ومن ناحية أخرى، سوف تسعى الجهات الفاعلة الدولية، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلى استغلال حالة حزب الله الضعيفة، وحث لبنان على الحد من نفوذه أو الدفع نحو نزع سلاحه.

وعلى الرغم من النكسات العسكرية التي مني بها حزب الله، إلا أن قوته السياسية ما زالت سليمة. إن قوتها الهائلة وولاء مؤيديها الأساسيين يضمنان أنها لن تتلاشى وتصبح غير ذات أهمية في أي وقت قريب.

ولا يزال الحزب يسيطر على مناطق استراتيجية في لبنان، لا سيما في الجنوب ذي الأغلبية الشيعية، ويتمتع بولاء قوي داخل الطائفة الشيعية، التي لا تزال تعتبرها مدافعاً ومزوداً للخدمات الأساسية. ومع ذلك، فقد هزت الحرب صورتها كقوة لا يمكن اختراقها، وقد تواجه قدرتها على الحفاظ على نفس المستوى من النفوذ تحديًا متزايدًا.

إن الموقع السياسي الراسخ لحزب الله في النظام الطائفي اللبناني يجعل انهياره الكامل غير مرجح. ومن المرجح أن تلعب الجماعة دوراً رئيسياً في مستقبل لبنان، من خلال الموازنة بين قدرتها العسكرية المتضائلة وقوتها السياسية المستمرة التي لا يمكن تجاهلها بسهولة.

وستكشف الأشهر المقبلة ما إذا كانت المجموعة ستحقق الاستقرار في البلاد أم أنها ستزيد من زعزعة استقرارها.

إن موازنة نفوذ حزب الله، سياسياً وعسكرياً، وسط حالته الضعيفة، ستحدد ما إذا كان عون وسلام قادران على تحقيق الاستقرار في لبنان أو ما إذا كان الحزب سيستعيد هيمنته السابقة.

  • مهمة واضحة ومصير غير مؤكد

إن مهمة عون وسلام واضحة: إصلاح الاقتصاد اللبناني المتدهور، وتنفيذ إجراءات التقشف المؤلمة التي طالب بها المانحون الدوليون، وإعادة بناء الثقة مع السكان الذين فقدوا الثقة في قدرة الدولة على الحكم.

لكن نجاحهم سوف يعتمد على قدرتهم على الإبحار عبر الانقسامات الطائفية العميقة في لبنان، وإدارة قوة حزب الله المتبقية، وتنفيذ التغييرات المؤلمة الضرورية لتفادي كارثة كاملة.

ومن ناحية أخرى، حافظت النخبة في البلاد، مدفوعة بشبكات المحسوبية، على قبضتها الخانقة على السلطة، الأمر الذي يجعل الإصلاح الحقيقي شبه مستحيل.

بالنسبة للبنان، ستكون السنوات القليلة المقبلة حاسمة. هل سيكون عون وسلام هما القائدان اللذان سيقودان لبنان أخيراً نحو التعافي؟ أم أن القوى التي أبقت البلاد على حافة الهاوية لفترة طويلة سوف تثبت أنها أقوى من أن يتم التغلب عليها؟

العالم يراقب، ولكن كما هو الحال دائما، يظل مصير لبنان غامضا.

اضف تعليقك

اترك تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

اخر الاخبار

طهران ذكرت وسائل إعلام محلية يوم الأحد أن محكمة إيرانية حكمت على المغني الشعبي أمير حسين مقصودلو، المعروف باسم تاتالو، بالإعدام بعد استئنافه بعد...

اخر الاخبار

واشنطن/ الرياض مع دخول وقف إطلاق النار في غزة حيز التنفيذ وعودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، يواجه الزعيم الفعلي للمملكة العربية السعودية قرارات...

اخر الاخبار

قالت والدة الصحفي الأمريكي أوستن تايس، الذي فُقد في سوريا عام 2012، يوم الاثنين في دمشق إن القيادة الجديدة للبلاد التي مزقتها الحرب ملتزمة...

اخر الاخبار

القاهرة استضاف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي القائد العسكري الليبي خليفة حفتر، الذي يسيطر على شرق البلاد، في أول اجتماع بينهما منذ سبتمبر 2021....

اخر الاخبار

واصل وقف إطلاق النار الهش في الحرب بين إسرائيل وحماس صموده اليوم الاثنين، في أعقاب تبادل دراماتيكي لثلاثة رهائن مقابل 90 أسيرًا فلسطينيًا في...

اخر الاخبار

أطلقت إسرائيل سراح 90 أسيرًا فلسطينيًا يوم الاثنين بعد أن سلمت حركة حماس ثلاثة رهائن إسرائيليين، في استكمال أول عملية تبادل بموجب هدنة طال...

اخر الاخبار

اضطرت حافلتان تقلان سجناء فلسطينيين تم إطلاق سراحهم بموجب اتفاق وقف إطلاق النار في غزة إلى المرور وسط حشد كبير من الناس عندما وصلتا...

اخر الاخبار

عمت مشاهد الفوضى الرهائن الثلاثة من إسرائيل الذين سلمهم مسلحون ملثمون من حماس يرتدون عصابات رأس خضراء إلى الصليب الأحمر يوم الأحد في ساحة...