إن الصراع الدائر في غزة هو أطول حرب تشنها إسرائيل منذ قيامها عام 1947. وهو أيضاً الهجوم الأكثر فتكاً وتدميراً الذي يواجهه الشعب الفلسطيني. وبينما يسعى الفلسطينيون والإسرائيليون إلى إنهاء الصراع، فإن القادة الإسرائيليين، ولكن من عجيب المفارقات أيضاً حماس، يريدون إطالة أمد المواجهة الدموية، ولكل منهم مصلحة في استمرارها.
ويبدو أن نتنياهو مصمم على مواصلة هجوم الجيش الإسرائيلي على غزة على الرغم من الخسائر الفادحة في صفوف السكان المدنيين في القطاع. هدفه المعلن هو تحقيق أهدافه المحددة للحرب، وهي استعادة الرهائن و”القضاء على حماس”. كما أنه مقتنع بأن أي وقف للأعمال العدائية قد يؤدي إلى مساءلته أمام العدالة الإسرائيلية.
في المقابل، تسعى «حماس» إلى تأمين مكانة رئيسية لها في أي مشهد سياسي بعد الحرب، خاصة أنها تعتقد أن السلطة الفلسطينية تنهار بعد أن وصلت سياساتها إلى أقصى حدودها. وهم يرون أن مصداقية السلطة الفلسطينية تتآكل وأن الشعب الفلسطيني يرفض سلطتها بشكل متزايد لفشلها في وقف سياسات إسرائيل التوسعية.
وعلى الرغم من التعبير غير المسبوق عن دعم المجتمع الدولي للقضية الفلسطينية، ظل القادة الفلسطينيون خاملين إلى حد كبير. استمرت الانقسامات العميقة بين حماس والسلطة الفلسطينية طوال الأعوام السبعة عشر الماضية بمباركة الاحتلال الإسرائيلي. ويبدو أن كلا الفصيلين الفلسطينيين مصممان على الحفاظ على الوضع الراهن. إن إمكانية تشكيل جبهة موحدة في أي محادثات سلام بعد الحرب هي مجرد مجرد أمنيات.
ومن الواضح أن السلطة الفلسطينية، التي استنفدت قوتها، غير قادرة على وقف القمع الذي تمارسه قوات الاحتلال أو وقف هجمات المستوطنين. وهي تكافح بشدة من أجل إنعاش شرعيتها التي أصابها الضمور الشديد. الانتخابات العامة، التي كان من المقرر إجراؤها في البداية عام 2021، تم تأجيلها في الواقع إلى أجل غير مسمى من قبل الرئيس محمود عباس.
هناك سيناريوهان لمسار الأحداث في المستقبل. والاحتمال الأكثر ترجيحاً هو أن يواصل نتنياهو حربه في غزة، ساعياً بأي ثمن لإعطاء الانطباع بأنه أوفى بتعهده بالقضاء على تهديد حماس واستعادة الرهائن بينما يواصل المناورة لإبقاء ائتلافه الحاكم في مكانه في غزة. من أجل الهروب من العدالة. إن مثل هذا السيناريو من شأنه أن يكون كارثياً بالنسبة للشعب الفلسطيني، وأن يمنع أي استئناف جدي لمحادثات السلام، وبالتالي يبدد أي أمل في إنشاء دولة فلسطينية مستقلة، ضمن أي إطار زمني معقول.
السيناريو الثاني المحتمل هو أن تؤدي الضغوط الداخلية والدولية في نهاية المطاف إلى إضعاف طموحات الحرب الجامحة لرئيس الوزراء الإسرائيلي والتسبب في انقسام الائتلاف الإسرائيلي مع مغادرة وزراء اليمين المتطرف للحكومة في نهاية المطاف. ومن شأن هذه النتيجة أن تسرع مفاوضات وقف إطلاق النار وتخفف من معاناة السكان في غزة. وهذا السيناريو يحظى بدعم الحكومة الأميركية، وكذلك الدول العربية. وقد أعدت هذه الأخيرة وثيقة مكونة من 12 نقطة تدرج التدابير التي من شأنها أن تمهد الطريق لإعادة إطلاق المفاوضات. وهذا بدوره من شأنه أن يمهد الطريق لعودة الهدوء إلى الأراضي الفلسطينية ويشكل بداية النهاية للأزمة، مما يتيح قبل كل شيء بدء مفاوضات جادة بهدف التوصل إلى تسوية سلمية للصراع على الأرض الفلسطينية المحتلة. أساس حل الدولتين. وهذه العملية، التي من المتوقع أن تكون طويلة وشاقة ومعقدة، ستتطلب التزاما جديا من جانب المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة، فضلا عن تصميم واضح من جانب الفلسطينيين على التغلب على انقساماتهم وإقامة جبهة موحدة في الشرق الأوسط. وجه إسرائيل المصرّة على تقويض أي جهود جادة نحو قيام دولة فلسطينية مستقلة.
إن إحدى العواقب المباشرة للحرب المستمرة وآثارها المتموجة في جميع أنحاء العالم هي نهاية عزلة الفلسطينيين على الساحة الدولية وعودة قضيتهم مرة أخرى إلى مركز الاهتمام. كما أدى هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول إلى تعطيل ديناميكية التطبيع التي بدأت باتفاقات إبراهيم، على الأقل مؤقتًا. ومن خلال تنفيذ هجومها على جنوب إسرائيل، كانت حماس تسعى أيضاً إلى كسر الحصار الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، فضلاً عن تقديم نفسها كبديل للسلطة الفلسطينية التي فقدت مصداقيتها إلى حد كبير.
وأظهرت الحرب أيضًا أن القضايا الإقليمية متشابكة بشكل عميق ولا يمكن معالجتها بشكل منفصل.
لقد كان هجوم حماس بمثابة حدث فاصل أدى إلى تحول جوهري في الطريقة التي يُنظر بها إلى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وكيف يتم التعامل معه.
– الافتقار الواضح للالتزام الحقيقي من جانب المجتمع الدولي والدول العربية بالتوصل إلى حل سلمي حقيقي للصراع، فضلاً عن قرار بعض الدول العربية إبرام اتفاقيات تطبيع مع الدولة اليهودية، دون مراعاة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. الناس، ساهموا بلا شك في اندلاع القتال. وقد أفسح هذا النهج الطريق أمام إدراك أن تسوية القضية الفلسطينية تشكل عنصرا مركزيا في أي مصالحة بين الدول العربية وإسرائيل. وبينما تؤكد المملكة العربية السعودية عزمها على مواصلة سعيها للتوصل إلى اتفاق أمني مع الولايات المتحدة كجزء من حزمة تطبيع أكبر، فإنها تريد الآن من واشنطن أن تلزم نفسها بتسهيل عملية دبلوماسية تؤدي إلى إنشاء دولة فلسطينية، كشرط لا غنى عنه. غير مشروطة بأي علاقات رسمية مع إسرائيل. في أكثر من جانب، كانت حرب غزة بالتأكيد سبباً في تغيير قواعد اللعبة على المستوى الإقليمي.