عندما اختفى محمد لافي في البحر في إحدى الليالي المصيرية، كان ذلك بمثابة مأساة أخرى لبلدة تونسية تكافح مع الهجرة الجماعية لشبابها.
ويزيد اختفاء محمد من اليأس المتفاقم في مدينة الهنشة التي تقع على بعد 150 كيلومترا (90 ميلا) فقط من جزيرة لامبيدوزا الإيطالية.
وبقيت أخته، إيناس، في مواجهة الواقع القاسي الذي تواجهه العديد من العائلات حيث يخاطر أحباؤهم بكل شيء بحثًا عن حياة أفضل في أوروبا.
محمد، سائق سيارة أجرة يبلغ من العمر 30 عامًا، غادر منزله ليلة 10 يناير/كانون الثاني ولم يكن معه سوى هاتفه المحمول.
وقالت إيناس (42 عاما) “لقد ذهب دون أن يقول شيئا لوالدي، دون أن يغير ملابسه أو حقيبة”.
وقالت إنه بدا كما لو أنه “كان ذاهبا للقاء أصدقائه”.
كان محمد واحداً من بين 40 شخصاً من المهاجرين المحتملين الذين استقلوا قارباً، وجميعهم تونسيون تتراوح أعمارهم بين 17 و30 عاماً، بما في ذلك امرأة وطفلها البالغ من العمر أربعة أشهر.
وقالت عائلاتهم إنه على الرغم من الظروف الجوية السيئة والأمواج الهائجة، إلا أنهم كانوا مصممين على الإبحار.
قال المنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، وهو منظمة غير حكومية، إن أكثر من 1300 مهاجر لقوا حتفهم أو اختفوا العام الماضي في غرق قوارب بالقرب من الساحل التونسي.
وفي عام 2023، شكل التونسيون ثاني أكبر عدد من المهاجرين غير الشرعيين الوافدين إلى إيطاليا، حيث بلغ 17304 شخصًا، في المرتبة الثانية بعد الغينيين الذين بلغ عددهم 18204، حسبما تظهر الأرقام الرسمية للحكومة الإيطالية.
ووقع الاتحاد الأوروبي اتفاقا العام الماضي لتقديم مساعدة مالية لتونس المثقلة بالديون مقابل التزامها بالحد من مغادرة المهاجرين.
– مستقبل قاتم –
إن الشعور باليأس واضح في تونس، التي يعاني اقتصادها من الركود مع نمو بنسبة 0.4 في المائة فقط في عام 2023، وتتراوح معدلات البطالة حول 40 في المائة.
كما اهتزت الدولة الواقعة في شمال إفريقيا بسبب التوترات السياسية، بعد أن قام الرئيس قيس سعيد بتنظيم عملية استيلاء واسعة النطاق على السلطة في يوليو 2021.
وقال المنتدى إن المفقودين من الحنشا، ومعظمهم من الطبقة المتوسطة، لديهم نظرة قاتمة للمستقبل.
وقال رمضان بن عمر، الناطق باسم المنظمة الحقوقية، إن “الهجرة غير الشرعية لا يمكن تفسيرها فقط بالعوامل الاقتصادية والاجتماعية”.
وأضاف أن “العامل السياسي وشعور التونسيين باليأس الذين لا يؤمنون بمستقبل البلاد” يلعبان أيضا دورا مهما.
مفتاح جلول، والد مهاجر شاب آخر، كان على علم بشوق ابنه محمد لعبور البحر الأبيض المتوسط من أجل مستقبل أكثر إشراقا.
وكان بائع السمك البالغ من العمر 62 عاماً قد ناشد محمد أن ينتظر تحسن الطقس قبل الشروع في رحلته.
لكن الشاب البالغ من العمر 17 عامًا، كان عازمًا على القيام بالرحلة المحفوفة بالمخاطر، فقبل والده ببساطة على رأسه وغادر.
وقال جلول، وهو مسؤول عن توفير الأموال، “كان يريد أن يهاجر المال”.
وقالت شقيقته إيناس، إنه مع دخل يومي يبلغ 20 دينارا (حوالي 6 دولارات)، لم تعد أمام محمد لافي سوى آفاق ضئيلة لبناء مستقبل مستقر.
وقالت متأسفة: “لم يكن قادراً على التخطيط أو بناء منزل أو الزواج”.
– “يعتبرون أوروبا جنة” –
يسري هنشي، مهاجر يبلغ من العمر 22 عاما، ترك المدرسة الثانوية وكان يحصل على دخل ضئيل يتراوح بين 10 إلى 15 دينارا يوميا من العمل في مقهى للإنترنت.
وعزا عمه محمد هنشي جاذبية أوروبا إلى الشباب المحبطين مثل يسري الذين تأثروا بالمهاجرين الناجحين الذين شاركوا تجاربهم على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقال “إنهم يرون ذلك ويريدون تغيير مستقبلهم. إنهم يعتبرون أوروبا جنة”.
وكان جلول قد سعى إلى إقناع ابنه، الذي ترك المدرسة الثانوية أيضًا، بالخضوع للتدريب المهني والهجرة بشكل قانوني إلى إيطاليا أو فرنسا أو ألمانيا.
وقال: “لم يكن ينبغي له أن يغادر دون مهارات أو مؤهلات”. “كان من الممكن أن يتعلم مهنة – السباكة أو النجارة أو الميكانيكا.”
يتمسك جلول بالأمل في أن يكون القارب الذي استقله محمد قد انجرف نحو ليبيا المجاورة، على الرغم من أن عمليات البحث التي أجراها أفراد الأسرة هناك لم تسفر عن أي دليل.
وقال وقد تغلبت عليه العواطف: “لقد مرت أربعة أشهر وما زلت أبكي على ابني”.
وأعربت إيناس لافي عن غضبها تجاه الشخص الذي قام بتهريب مجموعة شقيقها، وهو شخصية معروفة في الحنشا بتسهيل العبور السري إلى إيطاليا.
“لقد كان دائما يعود إلى هنا، ولكن هذه المرة، اختفى دون أن يترك أثرا”.
وحثت العائلات السلطات التونسية على تعزيز الظروف الاقتصادية والبرامج التعليمية والأنشطة الثقافية في البلدة التي يبلغ عدد سكانها حوالي 6000 شخص لتشجيع الشباب على البقاء.
وقال هنشي “علينا تعزيز المنطقة الصناعية وخلق فرص عمل للشباب”.
