ومثل مئات المقاتلين الآخرين الموالين لتركيا، غادر عمر شمال سوريا إلى النيجر الغنية بالمعادن العام الماضي، لينضم إلى المرتزقة السوريين الذين أرسلتهم شركة عسكرية تركية خاصة إلى الدولة الواقعة في غرب إفريقيا.
وقال المقاتل عمر (24 عاما) لوكالة فرانس برس عبر تطبيق الرسائل واتساب من النيجر “السبب الرئيسي لمغادرتي هو صعوبة الحياة في سوريا”.
وقال عمر إنه في شمال سوريا “لا توجد فرص عمل سوى الانضمام إلى فصيل مسلح وكسب ما لا يزيد عن 1500 ليرة تركية (46 دولارا) شهريا”، طالبا مثل آخرين ممن قابلتهم وكالة فرانس برس الكشف عن هويتهم باسم مستعار لأسباب أمنية.
ويقول محللون إن أنقرة تتمتع بعلاقات قوية مع النظام العسكري الجديد في نيامي، الذي يتولى السلطة منذ انقلاب يوليو 2023.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إنه في الأشهر الأخيرة، تم إرسال ما لا يقل عن 1000 مقاتل إلى النيجر “لحماية المشاريع والمصالح التركية”.
وقالت غابرييلا كورلينج، الباحثة التي تركز على منطقة الساحل في وكالة أبحاث الدفاع السويدية، إنه على مدى العقد الماضي، زادت تركيا من وجودها في النيجر، في الغالب من خلال “المساعدات الإنسانية والتنمية والتجارة”.
وقال كورلينج إن “العنصر الدفاعي في العلاقة بين النيجر وتركيا أصبح أكثر أهمية بمرور الوقت مع توقيع اتفاقية تعاون عسكري في عام 2020 وبيع طائرات مسلحة بدون طيار”.
وأضافت أن نيامي تشير في كثير من الأحيان إلى تركيا وروسيا والصين على أنهم “شركاء يحترمون سيادة النيجر”.
وقال عمر، الذي يعيل والدته وإخوته الثلاثة، إنه منذ أن غادر منزله في أغسطس/آب، حصل على راتب شهري “جيد جدًا” قدره 1500 دولار مقابل عمله في الدولة الواقعة في غرب إفريقيا.
ويأمل أن تساعده مكاسبه في بدء مشروع تجاري صغير وترك ساحة المعركة، بعد سنوات من العمل كمقاتل في فصيل موالي لأنقرة.
وانضم عشرات الآلاف من الشباب إلى صفوف الفصائل الجهادية وغيرها من الموالين لأنقرة في شمال وشمال غرب سوريا، حيث يعيش أربعة ملايين شخص، نصفهم من النازحين، في ظروف يائسة..
– “حراسة الألغام” –
وقال عمر إنه كان من بين الدفعة الأولى التي تضم أكثر من 200 مقاتل غادروا شمال سوريا الذي تسيطر عليه تركيا في أغسطس/آب متوجهين إلى النيجر.
وهو الآن يستعد للعودة إلى وطنه بعد انتهاء عقده الذي مدته ستة أشهر، والذي تم تجديده مرة واحدة.
وقال هو ومقاتلان سوريان آخران مؤيدان لأنقرة تحدثوا إلى وكالة فرانس برس في الأسابيع الأخيرة إنهم تجندوا للعمل في النيجر مع فصيل السلطان مراد، أحد أكثر وكلاء تركيا ولاءً في شمال سوريا.
وقالوا إنهم وقعوا عقودا مدتها ستة أشهر في مقر الفصيل مع شركة “سادات الدولية للاستشارات الدفاعية” الخاصة.
وقال المقاتل أحمد: “جاء ضباط صادات إلى الغرفة ووقعنا معهم العقد”.
وأضاف الشاب البالغ من العمر 30 عاماً والذي كان يستعد للسفر من شمال سوريا إلى النيجر: “إنهم يتعاملون مع كل شيء”، من السفر إلى الإقامة.
ويُنظر إلى الشركة على نطاق واسع على أنها سلاح أنقرة السري في حروب شمال إفريقيا والشرق الأوسط، على الرغم من أن رئيسها نفى هذا الادعاء في مقابلة مع وكالة فرانس برس عام 2021.
وتقع النيجر على حدود ليبيا الغنية بالنفط، وفي عام 2020، اتهمت واشنطن شركة سادات بإرسال مقاتلين سوريين إلى ليبيا.
أرسلت تركيا آلاف المقاتلين السوريين إلى ليبيا لدعم حكومة طرابلس، التي تدعمها ضد السلطات المنافسة المدعومة من روسيا في الشرق، وفقًا للمرصد ومركز العدالة والمساءلة السوري.
وقال المركز إن صادات “كانت مسؤولة عن النقل الجوي الدولي للمرتزقة بمجرد عبورهم إلى الأراضي التركية” للذهاب إلى ليبيا وناجورنو كاراباخ.
كما أرسلت تركيا مقاتلين سوريين لدعم أذربيجان في صراعها مع أرمينيا في ناغورنو كاراباخ، لكن جهودها لإرسال مرتزقة إلى النيجر كانت محاطة بالسرية.
وقالت وزارة الدفاع التركية لوكالة فرانس برس: “كل هذه الادعاءات كاذبة ولا أساس لها من الصحة”.
وقال عمر إن رحلته أخذته إلى غازي عنتاب في تركيا، ثم إلى إسطنبول، حيث استقل طائرة عسكرية إلى بوركينا فاسو قبل أن يتم نقله تحت حراسة إلى معسكرات في النيجر المجاورة.
وبعد أسبوعين من التدريب العسكري، تم تكليفه بحراسة موقع بالقرب من منجم قال إنه لا يعرف اسمه.
وقال إنه وسوريون آخرون عملوا جنباً إلى جنب مع نيجيريين يرتدون الزي العسكري، لكنه لم يتمكن من تحديد ما إذا كانوا جنوداً.
وقال “لقد قسمونا إلى عدة مجموعات من الحراس والمقاتلين”.
وأضاف أن مجموعة أخرى “أرسلت لمحاربة بوكو حرام (الجهاديين) وأخرى أرسلت إلى لومي” في توغو المجاورة، دون أن يقدم تفاصيل عن مهمتهم.
تحصل عائلته على راتبه الشهري مطروحًا منه رسم قدره 350 دولارًا لفصيله.
– علاقات دفاعية –
وقال أحمد، الذي كان مقاتلاً لمدة 10 سنوات، إنه قيل له إن مهمته ستتألف من “حماية المواقع العسكرية” بعد خضوعه للتدريب.
وأضاف أنه “من الممكن أن تكون هناك معارك” في مرحلة ما، لكنه لا يعرف من سيقاتل.
قال الأب لثلاثة أطفال إنه قضى ستة أشهر في ليبيا عام 2020 يكسب أكثر من 2000 دولار شهريا.
وفي يوليو/تموز 2023، استولى الجيش على السلطة في النيجر، منهياً بذلك الاتفاقيات الأمنية والدفاعية مع الدول الغربية بما فيها فرنسا، التي سحبت قواتها التي كانت تقاتل الجهاديين.
وأضاف الباحث كورلينغ أن “انقلاب 2023 لم يعطل العلاقات الدبلوماسية بين تركيا والنيجر”، لافتا إلى تعيين أول ملحق دفاعي تركي لدى النيجر مطلع العام الجاري.
وفي العام الماضي، افتتح التلفزيون الحكومي التركي قناة باللغة الفرنسية تغطي أفريقيا، وتسير أنقرة رحلات يومية إلى نيامي.
وقال كورلينج: “نظرًا لقربها الديني وافتقارها إلى الثقل السياسي والتاريخي، يُنظر إلى تركيا بشكل إيجابي للغاية في النيجر خاصة بالمقارنة مع” الدول الغربية.
– وعود بالمواطنة –
وقال رامي عبد الرحمن، الذي يرأس المرصد السوري لحقوق الإنسان ومقره بريطانيا، إن تركيا “تستغل” الرجال الفقراء في المناطق الخاضعة لسيطرتها “لتجنيدهم كمرتزقة في عمليات عسكرية” تخدم مصالح أنقرة الخارجية.
وقال مراقب الحرب وجماعات حقوق الإنسان الأخرى إن الوعود بدفع مبالغ مربحة للمرتزقة الذين يتم إرسالهم إلى الخارج لا يتم الوفاء بها دائمًا.
وقال محمد العبد الله من مركز العدالة والمساءلة السوري إن منظمته وثقت على سبيل المثال “وعوداً كاذبة بمنح الجنسية التركية” لأولئك الذين تم إرسالهم إلى أذربيجان أو ليبيا.
وأشار عبد الرحمن إلى تقارير تفيد بمقتل نحو 50 مقاتلاً سورياً في النيجر، معظمهم بعد تعرضهم لهجوم من قبل الجهاديين، لكنه قال إن منظمته لم تتحقق إلا من مقتل تسعة مقاتلين، وتم إعادة أربع جثث إلى وطنهم.
وقال مصدر داخل فصيل تم إرسال أعضائه إلى النيجر، إنه من المتوقع عودة حوالي 50 جثة في الأيام المقبلة.
بالنسبة إلى عابد، وهو سوري يبلغ من العمر 30 عاماً، نزح مع عائلته لأكثر من عقد من الزمن، فإن الموت هو مخاطرة قرر خوضها.
وقال الأب لأربعة أطفال والمعيل الوحيد لوكالة فرانس برس: “أخشى أن أموت… لكن ربما أموت هنا” أيضا.
وأضاف أن الفرق هو أنني في سوريا “أموت من أجل 1000 ليرة تركية (30 دولارا)، و(في النيجر) سأموت من أجل 1500 دولار”.
