القاهرة
إن تصريحات وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، التي تؤكد على الحق الحصري لدول البحر الأحمر في إدارة شؤونها، تحمل آثاراً كبيرة، خاصة بالنظر إلى توقيتها جنباً إلى جنب مع تجدد التوترات بين إثيوبيا وإريتريا وسط مخاوف من حدوث مواجهة عسكرية في القرن الأفريقي.
ويقول مراقبون إن تصريحات الوزير موجهة بالدرجة الأولى إلى إثيوبيا، التي تستعد لتعزيز طموحاتها البحرية بعد الانتهاء من بناء سد النهضة الإثيوبي الكبير، مما يشكل تحديًا لمصالح مصر الاستراتيجية.
أدلى وزير الخارجية عبد العاطي بهذه التصريحات خلال جلسة رفيعة المستوى في منتدى أسوان الخامس للسلام والتنمية المستدامة يوم الأحد. وبحسب وزارة الخارجية المصرية، فإن الجلسة التي تحمل عنوان “ربط القارات وبناء المستقبل عبر البحر الأحمر: فرص التكامل الاقتصادي العربي الأفريقي” حضرها وزير الخارجية الصومالي عبد السلام عبدي علي، ووزير الخارجية السوداني محيي الدين سالم، ونائب وزير الخارجية السعودي وليد بن عبد الكريم الخريجي، والمبعوث الخاص للاتحاد الأوروبي للقرن الأفريقي أنيت ويبر، ومسؤولون عالميون. ممثل البنك غاري ميلانتي.
وقال عبد العاطي، خلال كلمته في الجلسة، إن “حوكمة البحر الأحمر تظل مسألة أصيلة وحصرية للدول المطلة عليه، باعتبارها مسؤولة عن الحفاظ على أمنه واستقراره واستدامة موارده، بما يعزز المصالح المشتركة لشعوبها ويكرس مبدأ الملكية الإقليمية في إدارة شؤونه”.
كما أعلن عن إطلاق مبادرة السويس والبحر الأحمر للتنمية الاقتصادية والبحرية (StREAM)، وهي خطة لتعزيز النمو المستدام في المنطقة. وتركز المبادرة على أربع ركائز أساسية: النهوض بالاقتصاد الأزرق، وتحديث البنية التحتية والموانئ، وحماية البيئة البحرية، وتعميق التكامل الاقتصادي.
وشدد عبد العاطي على أن تحقيق الاستقرار والازدهار في منطقة البحر الأحمر يعتمد على الإرادة السياسية القوية والتعاون العربي الأفريقي الوثيق والدعم الدولي الفعال. واستعرض جهود مصر الأخيرة لمواجهة التحديات في البحر الأحمر، بما في ذلك انخفاض إيرادات قناة السويس، مسلطًا الضوء على خطط هيئة قناة السويس لتنويع الدخل من خلال توسيع الخدمات البحرية وتحويل القناة إلى مركز لوجستي إقليمي.
وأشار الوزير أيضًا إلى الجهود الدبلوماسية التي تبذلها مصر لتعزيز الحلول السياسية في اليمن وتحقيق الاستقرار في القرن الأفريقي وإنهاء الصراع في السودان واستعادة الأمن في الصومال. وتناولت المناقشات التي دارت خلال الجلسة التحديات الأمنية الإقليمية الناشئة عن الأوضاع في السودان والقرن الأفريقي واليمن وتأثيراتها على الملاحة والتجارة العالمية. واتفق المشاركون على ضرورة اتباع نهج شامل يربط بين الأمن والتنمية لضمان الاستقرار على المدى الطويل في المنطقة.
وقد سعت إثيوبيا، التي ظلت لفترة طويلة غير ساحلية منذ استقلال إريتريا في عام 1993، إلى تحقيق طموحاتها العلنية لإعادة تأكيد وجودها على البحر الأحمر. وترى أديس أبابا أن الظروف الحالية مواتية لتحقيق هذا الهدف، خاصة بعد استكمال وتشغيل سد النهضة، رغم اعتراضات دولتي المصب مصر والسودان.
وفي خطوة اعتبرتها إريتريا مشبوهة وتنطوي على سوء نوايا، بعثت إثيوبيا، عبر وزير خارجيتها، برسالة هذا الشهر إلى الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد) والشركاء الدوليين، متهمة أسمرة بـ “تقويض اتفاق بريتوريا” من خلال “احتلال الأراضي الإثيوبية” وتزويد “القوات المتمردة بالأسلحة”، ووصفت الإجراءات بأنها “هجوم مباشر” على إريتريا. تهديداً للأمن القومي والسلامة الإقليمية.
وردت وزارة الإعلام الإريترية رسميا، متهمة الحكومة الإثيوبية بشن “حملة دبلوماسية مضللة” تهدف إلى تمهيد الطريق لصراع محتمل. وأضافت الوزارة أن أديس أبابا سعت للسيطرة على الموانئ الإريترية على مدى العامين الماضيين “سلميا إن أمكن، وعسكريا إذا لزم الأمر”. كما زعمت أن إثيوبيا اشترت بالفعل أسلحة لهذا الغرض، في حين مارست أسمرة “أقصى درجات ضبط النفس” على الرغم من الاستفزازات المتكررة “لضم الأراضي الإريترية ذات السيادة، بما في ذلك نقاط الوصول على البحر الأحمر”.
وتزامن تحرك وزارة الخارجية الإثيوبية مع حملة إعلامية محلية تسلط الضوء على أهمية وجود منفذ بحري، نقلاً عن رئيس الوزراء أبي أحمد، الذي وصف القضية بأنها “حيوية” وقابلة للمقارنة في أهميتها مع مطالبات إثيوبيا بالنيل. وأكد آبي استعداد حكومته للتفاوض بشأن الوصول إلى البحر الأحمر، مشددًا على أن المناقشات “لا ينبغي أن تكون مشروطة بعدم استخدام البحر”.
وقال إن إثيوبيا “تقع جغرافيا ضمن البحر الأحمر وحوض النيل”، معتبرا أن حرمان البلاد من حق الوصول إلى البحر “غير عادل”، وأن الشعب الإثيوبي “تخلى عن حقه القانوني” بسبب اعتقاد خاطئ بأن التأكيد على أنه قد يثير الصراع، وهو وضع قال إنه يجب تصحيحه بعد فترة طويلة من الصمت.
ونقلت هيئة الإذاعة والتلفزيون الإثيوبية عن ضباط سابقين في البحرية الإثيوبية قولهم إن الوصول إلى منفذ بحري هو “مسألة وجود وطني وأمن وتنمية شاملة”، مضيفة أن الجيل الذي يقف وراء سد النهضة يجب أن يكرر نجاحه في هذه القضية.
وفي انعكاس للحملة المحلية التي تشنها إثيوبيا للترويج لسد النهضة، فإنها تسعى الآن إلى حشد الدعم الشعبي لطموحاتها البحرية.
ويعد هذا النهج الإثيوبي بمثابة تحذير ليس لإريتريا فحسب، بل لمصر أيضًا، التي ترفض بشدة أي نفوذ إثيوبي على البحر الأحمر. يعد البحر الأحمر ممرًا تجاريًا حيويًا وأحد البوابات الرئيسية لقناة السويس، وهو أمر بالغ الأهمية للإيرادات الوطنية لمصر. وتنظر القاهرة إلى أي تحول في الديناميكيات البحرية أو الأمنية هناك على أنه تغيير لتوازنات القوى الإقليمية ويؤثر على قدرتها على مراقبة وتأمين نهجها البحري.
وتتعامل مصر مع القضية بحساسية شديدة، خاصة تجاه إثيوبيا وسط الخلافات المستمرة حول سد النهضة. وترى القاهرة أن الوصول الإثيوبي إلى البحر الأحمر ليس مسألة تجارية فحسب، بل مسألة ذات آثار عسكرية واستراتيجية، حيث إن إنشاء قواعد أو وجود عسكري إثيوبي مباشر على الساحل يمكن أن يهدد قدرات مصر ويغير معادلات القوة الإقليمية.
وأكد وزير الخارجية المصري، خلال لقائه مع مبعوث الاتحاد الأوروبي، رفض بلاده للسياسات المزعزعة للاستقرار في منطقة القرن الأفريقي، وأكد دعم مصر للجهود الإقليمية والدولية لتحقيق الاستقرار ووقف التصعيد في المنطقة.