طهران-
ويقول محللون إن اغتيال الزعيم السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، والذي ألقي باللوم فيه على إسرائيل على نطاق واسع، كشف عن عمق التغلغل الإسرائيلي داخل الجمهورية الإسلامية ووضع طهران في موقف صعب في حين تفكر في الرد لإنقاذ سمعتها بين وكلائها المتشددين والدوائر الانتخابية المتعاطفة.
قُتل هنية المقيم في الدوحة، والذي حضر في اليوم السابق حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، في الساعات الأولى من صباح الأربعاء في مقر إقامته الرسمي في شمال طهران، وفقًا للحرس الثوري الإيراني.
ورفضت إسرائيل، التي عادة لا تؤكد أو تنفي العمليات السرية في الخارج، التعليق.
ولكن في كثير من أنحاء إسرائيل كان هناك الكثير من الشماتة. وقال عاموس جلعاد، وهو مسؤول دفاعي كبير سابق، على القناة 12: “هذا إنجاز مذهل في مجال الاستخبارات المرتبطة بالعمليات، والتي أدت إلى النتيجة. وفيما يتعلق بالأداء، يمكننا القول إنه كان مثيرًا للإعجاب، بغض النظر عمن نفذه”.
ونشر المكتب الإعلامي للحكومة صورة لهنية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وقد كُتب على جبهته كلمة “مُصَاب”، ثم أزيلت الصورة لاحقا.
وتوجه عدد من الوزراء الصغار، الذين لا ينتمون إلى الدائرة الداخلية لمسؤولي الأمن الذين يتخذون القرارات الاستراتيجية، إلى وسائل التواصل الاجتماعي للاحتفال بالعملية.
نشر وزير شؤون الشتات عميشاي تشيكلي على موقع X مقطع فيديو لهنية وهو يحضر حدثًا هتف فيه الجمهور “الموت لإسرائيل”. كتب تشيكلي: “احذر مما تتمنى”.
وقال نتنياهو يوم الأربعاء إن إسرائيل وجهت “ضربات ساحقة لكل أعدائنا”، مشيراً صراحة إلى مقتل زعيم حزب الله فؤاد شكر في جنوب بيروت ولكن ليس هنية. لكنه قال إنه لو خضعت إسرائيل للضغوط لإنهاء الحرب في غزة فإنها “ما كانت لتقضي على قادة حماس وآلاف الإرهابيين”.
وقد تساءل المعلقون والخبراء حول القدرات اللازمة لتنفيذ عملية اغتيال هنية. ولا تزال التفاصيل حول كيفية مقتل زعيم حماس غير واضحة، حيث ذكرت وكالة أنباء فارس الإيرانية أنه “استشهد بقذيفة من الجو”، مما أثار تكهنات حول ضربة محتملة بصاروخ أو طائرة بدون طيار.
ويرى المحللون أن الضربة تمثل فشلا استخباراتيا كبيرا للأجهزة الإيرانية وتطورا مزعجا للغاية للقيادة الإيرانية، خاصة في وقت كانت الإجراءات الأمنية مشددة فيه بسبب تدفق الضيوف لحضور حفل التنصيب.
قبل ساعات من مقتله، عقد هنية اجتماعا وجها لوجه مع المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي.
وقالت أغنيس ليفالوا، نائبة رئيس معهد الأبحاث والدراسات للبحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط في باريس، إن “عدم تمكن الإيرانيين من وقف هذا الاغتيال أمر محرج للغاية بالنسبة لإيران”.
خط الهجمات
لكن مقتل هنية ليس سوى أحدث حلقة في سلسلة من الهجمات التي يعتقد أن إسرائيل نفذتها داخل إيران.
من المعتقد منذ فترة طويلة أن إسرائيل نفذت عمليات تخريبية من خلال وكالة التجسس الموساد داخل إيران، التي ترفض الاعتراف بإسرائيل، مما أثار تساؤلات حول كيفية قدرتها على الحصول على مثل هذه المعلومات الاستخباراتية التفصيلية.
وقال آراش عزيزي، المحاضر البارز في جامعة كليمسون في الولايات المتحدة: “هذا تأكيد على شيء نعرفه جميعًا منذ فترة طويلة: المدى العميق لاختراق إسرائيل لأجهزة الأمن الإيرانية”.
وعلى النقيض من القيادة العسكرية لحماس، كان هنية شخصية بارزة نسبيا في العلن، حيث قام برحلات إلى الخارج بما في ذلك إلى تركيا حيث أجرى محادثات مع الرئيس رجب طيب أردوغان، بما في ذلك اجتماع عقد مؤخرا في أبريل/نيسان.
وقال ليفالوا “نحن نعلم أن الإسرائيليين لديهم جواسيس وبالتالي معلومات استخباراتية في إيران”.
وقالت إن “عملية الاغتيال هذه تظهر أن منظومة الاستخبارات الإسرائيلية برمتها متطورة للغاية بحيث تتمكن من الحصول على كل المعلومات، وبالتالي تسمح بشن هذا النوع من العمليات”.
ووفقا لصحيفة نيويورك تايمز، فإن العملية الأكثر شهرة كانت اغتيال العالم النووي الإيراني البارز محسن فخري زاده في عام 2020 على يد الموساد باستخدام مدفع رشاش تم تجميعه بالقرب من منزله من قبل عملائه ثم أطلق النار عن بعد بعد مغادرتهم.
وبحسب الصحيفة ذاتها، قُتل الرجل الثاني في تنظيم القاعدة عبد الله أحمد عبد الله، المعروف بأبو محمد المصري، بالرصاص في طهران على يد اثنين من المسلحين على دراجة نارية في أغسطس/آب 2020، في هجوم نفذه عملاء إسرائيليون بأمر من الولايات المتحدة.
بدأت دورة التوترات الحالية بعد الهجوم الدموي الذي شنته حماس على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، والذي أسفر عن مقتل نحو 1200 إسرائيلي، أعقبته حملة قصف إسرائيلية لا هوادة فيها على قطاع غزة، والتي أسفرت عن مقتل ما يقرب من 40 ألف فلسطيني حتى الآن.
وردت إسرائيل على الهجوم الإيراني المباشر الأول على أراضيها بضرب نظام رادار لنظام الدفاع الصاروخي إس-300 الذي زودتها به روسيا في وسط إيران في شهر أبريل/نيسان.
ولم يتضح بعد مصدر تلك الضربة، لكنها شملت صاروخا واحدا على الأقل أطلق من طائرة حربية خارج إيران وطائرات بدون طيار هجومية صغيرة تعرف باسم الطائرات الرباعية المراوح والتي ربما أطلقت من داخل إيران نفسها وكانت تهدف إلى إرباك الدفاعات الجوية، بحسب التقارير.
وبحسب بعض وسائل الإعلام، بما في ذلك قناة إيران الدولية، فإن عملاء إسرائيليين قاموا حتى باعتقال واستجواب أفراد من الحرس الثوري داخل إيران للحصول على معلومات استخباراتية.
وكانت هناك شكوك أيضًا، بعد الانفجارات الغامضة حول المواقع الحساسة، بأن إسرائيل نفذت بالفعل هجمات بطائرات بدون طيار داخل إيران، لكن هذا لم يتم تأكيده أبدًا.
وجاء اغتيال هنية بعد أن قصفت إسرائيل معقلا لحزب الله في جنوب بيروت يوم الثلاثاء، مستهدفة فؤاد شكر، القائد الكبير في الجماعة المسلحة اللبنانية التي ألقت إسرائيل اللوم عليها في هجوم صاروخي قاتل في نهاية الأسبوع على مرتفعات الجولان التي ضمتها إسرائيل.
وقال مدير مركز الدراسات والأبحاث حول العالم العربي والبحر الأبيض المتوسط في جنيف حسني عبيدي إن “هذه العملية تظهر أن إيران لم تتمكن من تأمين ضيوف المرشد الأعلى والرئيس”.
وأضاف أن طبيعة الهجوم أظهرت أن إسرائيل لابد وأن يكون لديها “معلومات دقيقة للغاية” عن مكان هنية وتحركاته.
