Connect with us

Hi, what are you looking for?

اخر الاخبار

نهاية الطريق لخمسين عاماً من الجمود؟

نهاية الطريق لخمسين عاماً من الجمود؟

إن الحكم الذاتي المقترح ليس صيغة سياسية، بل هو مشروع منقذ للحياة ويفتح الباب أمام التنمية والكرامة، فيما يبقى الانفصال كابوسا محفوفا بالمخاطر.

الخميس 23/10/2025

سيارة تابعة للأمم المتحدة تمر أمام مقر بعثة المينورسو في العيون، المدينة الرئيسية في الصحراء الغربية.

منذ ما يقرب من نصف قرن، ظلت قضية الصحراء المغربية مطروحة على جدول أعمال الأمم المتحدة، سواء في اجتماعات مجلس الأمن الدولي أو في تقارير المبعوثين الأمميين، دون أن يتم كسر الجمود الذي طال أمده. لكن مع اقتراب جلسة 30 أكتوبر 2025، يلوح في الأفق وضع جديد. لقد تغير المشهد الدولي، ولم تعد المخاطر الإقليمية كما كانت من قبل، وباتت الواقعية السياسية خياراً حتمياً.

وبدأت القضية مع انسحاب إسبانيا من الإقليم عام 1975، تاركة وراءها فراغا سرعان ما تحول إلى نزاع إقليمي. وأكد رأي محكمة العدل الدولية آنذاك على وجود روابط تاريخية وقانونية بين الصحراء والمغرب، لكنه لم يغلق الباب أمام مبدأ تقرير المصير.

في تلك اللحظة، اختار المغرب الرد بالمسيرة الخضراء، التي دخلها التاريخ باعتبارها أكبر تعبئة جماعية سلمية تهدف إلى استعادة الأراضي المحتلة. لكن إعلان جبهة البوليساريو لما أسمته “الجمهورية الصحراوية”، بدعم من الجزائر، أغرق المنطقة في صراع استمر حتى وقف إطلاق النار عام 1991، عندما تم إنشاء بعثة المينورسو لمراقبة الوضع والتحضير للاستفتاء الذي لم يجر قط.

ومنذ ذلك الوقت ظلت القضية في طي النسيان. وتوالت قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بينما ظل الحل بعيد المنال. وبمرور الوقت، أصبح من الواضح أن خيار الاستفتاء غير عملي وأن الانفصال يفتقر إلى الجدوى. ومن هنا ظهرت مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب عام 2007، وهو اقتراح يمنح الصحراويين صلاحيات واسعة لإدارة شؤونهم المحلية ضمن السيادة المغربية. ووصفت الأمم المتحدة المبادرة بـ”الجدية وذات المصداقية” وحظيت بدعم القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وإسبانيا وألمانيا، بالإضافة إلى العديد من الدول العربية والأفريقية.

واليوم، ومع اقتراب موعد انعقاد الدورة المقبلة، هناك ثلاثة خيارات أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة: تكريس الحكم الذاتي باعتباره الإطار الواقعي الوحيد للحل؛ – التوصل إلى تسوية بشأن تمديد فني لتفويض بعثة المينورسو دون إحراز تقدم سياسي أو الدفع نحو مفاوضات مباشرة بين الأطراف المعنية في إطار المبادرة المغربية. لكن المؤشرات الدبلوماسية تشير إلى أن السيناريو الأول أو الثالث هو الأكثر احتمالا، نظرا للزخم الدولي المتزايد لصالح المغرب.

والتحولات الإقليمية تجعل هذه القضية أكثر إلحاحا من أي وقت مضى. واليوم، تشكل منطقة الساحل والصحراء منطقة مضطربة ومليئة بالجماعات المسلحة وشبكات التهريب والهجرة غير النظامية. وأي فراغ سياسي في الصحراء المغربية قد يتحول إلى خرق أمني يهدد شمال أفريقيا وأوروبا. ومن هنا، لم يعد الصراع مجرد قضية محلية ولا إقليمية؛ لقد أصبح جزءا من المخاوف الأمنية الدولية.

لكن البعد الإنساني يبقى الأهم من بين جميع الجوانب. وبينما تشهد الأقاليم الجنوبية للمغرب استثمارات ضخمة في البنية التحتية والطاقة المتجددة والتعليم، يعيش آلاف الصحراويين في مخيمات تندوف بالجزائر في ظل ظروف صعبة، معتمدين على المساعدات الإنسانية. ومن الواضح أن هذا التناقض بين الواقعين يؤثر على مصير الناس على الأرض. إن الحكم الذاتي المقترح ليس صيغة سياسية، بل هو مشروع منقذ للحياة ويفتح الباب أمام التنمية والكرامة، فيما يبقى الانفصال كابوسا محفوفا بالمخاطر.

الواقعية السياسية لا تعني التخلي عن المبادئ؛ ويعني البحث عن حل يوازن بين الهوية والاستقرار والكرامة والتنمية. وفي هذا السياق، يبدو الحكم الذاتي هو الخيار الوحيد القادر على التوفيق بين هذه الضرورات. إن الاستمرار في التشبث بخيار الانفصال هو إصرار على إبقاء القضية مجمدة في الصراع، ولن يكون أمام الصحراويين سوى المزيد من المعاناة.

وهذه ليست دعوة لموقف متحيز، بل دعوة إلى مراعاة الحقائق التاريخية ومواجهة الواقع: فقد كانت الصحراء، منذ قرون، جزءا لا يتجزأ من التراب المغربي، مرتبطة بالسلطة المركزية بروابط الولاء والولاء لملوك المغرب. وساهمت القبائل الصحراوية في تكوين دويلات كبرى مثل المرابطين، مما جعلها امتدادا طبيعيا للهوية المغربية. وهذه الروابط التاريخية أكدتها محكمة العدل الدولية في فتواها الصادرة سنة 1975، التي أشارت إلى وجود روابط قانونية وتاريخية بين الصحراء والمغرب.

يعكس الدعم الدولي المتزايد لسيادة المغرب على الصحراء وخطة الحكم الذاتي تحولا جيوسياسيا حاسما، مع اعتراف عشرات الدول بالسيادة المغربية على الصحراء من خلال فتح قنصليات لها في العيون أو الداخلة. وأيدت أكثر من 100 دولة خطة الحكم الذاتي باعتبارها حلا “جديا وذي مصداقية” يستبعد خيار الانفصال ويفرض واقع الحكم الذاتي سبيلا للاستقرار والتنمية. ومع اقتراب موعد انعقاد اجتماع مجلس الأمن، يمثل هذا الزخم فرصة تاريخية لإنهاء الصراع المتعثر واستعادة كرامة الصحراويين في إطار سيادي مستقر، مع التخلص من الوهم الذي استهلك المنطقة طوال نصف قرن.

لقد تغير العالم، ولم تعد المنطقة قادرة على تحمل الصراعات المفتوحة. إن العالم يواجه فرصة تاريخية لإنهاء واحد من أطول الصراعات في أفريقيا من خلال تكريس حل واقعي يتمتع بدعم دولي متزايد. ولكن يتعين علينا أن نرى ما إذا كان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة سوف يُظهِر القدر الكافي من الشجاعة لاختيار طريق الواقعية السياسية أو ما إذا كان سيمضي في طريق تمديد آخر للمأزق.




اضف تعليقك

اترك تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

اخر الاخبار

قالت وزارة الصحة الفلسطينية، ومقرها رام الله، إن قوات الاحتلال الإسرائيلي قتلت، اليوم الجمعة، شابا شمال الضفة الغربية المحتلة. وقالت وزارة الصحة في بيان...

اخر الاخبار

قال الرئيس اللبناني جوزيف عون يوم الجمعة لوفد في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إن بلاده لا تريد الحرب مع إسرائيل، بعد أيام من...

اخر الاخبار

بيروت، لبنان على الرغم من الجهود المبذولة للتحرك “الإيجابي” من قبل الجانبين بعد أول محادثات مباشرة منذ عقود بين لبنان وإسرائيل، إلا أن الشكوك...

اخر الاخبار

تم اكتشاف كنز مكون من 225 تمثالًا جنائزيًا داخل مقبرة في العاصمة المصرية القديمة تانيس في دلتا النيل، وهو اكتشاف نادر يحل أيضًا لغزًا...

اخر الاخبار

في يونيو 1939، عشية الحرب العالمية الثانية، كتب ألبير كامو، وهو مثقف يساري شاب ناشئ ولد لعائلة من المستوطنين الفقراء في الجزائر، ما يلي:...

اخر الاخبار

بيروت (5 ديسمبر كانون الأول) (رويترز) – انتقد الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم اليوم الجمعة قرار الحكومة اللبنانية إرسال مندوب مدني إلى لجنة...

اخر الاخبار

بغداد / واشنطن اجتاحت طائرات إيرانية بدون طيار الأجواء الجبلية في منطقة كردستان شمال العراق في منتصف يوليو/تموز، وركزت على أهدافها: حقول النفط التي...

اخر الاخبار

5 ديسمبر (رويترز) – اندلع القتال في شرق جمهورية الكونجو الديمقراطية يوم الجمعة بعد يوم من استضافة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب زعيمي الكونجو ورواندا...