بيروت
لم تصرف العاصفة السياسية التي تجتاح فرنسا في الأيام الأخيرة الرئيس إيمانويل ماكرون عن شؤون الشرق الأوسط، حيث يسعى للحفاظ على النفوذ الفرنسي في منطقة تعصف بها الاضطرابات.
لا يزال لبنان أحد مناطق النفوذ التقليدية لفرنسا في الشرق الأوسط، لكن هذا النفوذ يتآكل بشكل مطرد وسط صعود لاعبين رئيسيين مثل الولايات المتحدة، التي تؤكد نفسها الآن بقوة أكبر في أعقاب المواجهة الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل، وتراجع نفوذ إيران، القوة المهيمنة لفترة طويلة في لبنان.
وأكد ماكرون يوم الثلاثاء تصميمه على عقد مؤتمرين دوليين لدعم لبنان قبل نهاية العام، على الرغم من استمرار التساؤلات حول مدى استعداد الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي، الجهات المانحة الرئيسية المحتملة للبنان، للمشاركة.
وفي رسالة إلى الرئيس اللبناني جوزيف عون، قال ماكرون إن المؤتمر الأول سيركز على دعم القوات المسلحة اللبنانية، “حجر الزاوية في السيادة الوطنية”، بينما سيخصص المؤتمر الثاني لتعافي لبنان وإعادة إعماره.
وكتب ماكرون: “أحيي القرارات الشجاعة التي اتخذتموها لضمان بقاء جميع الأسلحة في أيدي القوات اللبنانية الشرعية”، مشددا على “الصداقة التي تربط بين بلدينا” ومجددا “دعم فرنسا المستمر للبنان في جميع المجالات”.
ومع ذلك، فقد تلاشى الزخم حول كلا المؤتمرين بعد تراجع الحكومة اللبنانية عن تعهدها السابق بنزع سلاح حزب الله بالكامل بحلول نهاية العام، وهو مطلب تقدمت به واشنطن.
وبدلاً من ذلك، أيدت بيروت خطة عسكرية تقضي بتفكيك البنية التحتية العسكرية لحزب الله جنوب نهر الليطاني خلال هذا الإطار الزمني، وترك نزع السلاح الكامل إلى مرحلة لاحقة “عندما تسمح الظروف والموارد”.
وكان المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توماس باراك أعرب عن استياء واشنطن من وتيرة نزع سلاح حزب الله، ملمحا إلى أن الولايات المتحدة قد تزيد الضغط على لبنان مطلع العام المقبل إذا لم يتم اتخاذ خطوات ملموسة لتأكيد احتكار الدولة للسلاح.
وتقول مصادر سياسية لبنانية إن الموقف الأمريكي يتوافق بشكل وثيق مع موقف دول الخليج، التي لا تزال مصرة على ضرورة استعادة لبنان سيادته الكاملة قبل إطلاق أي حزمة مساعدات كبيرة.
ووفقاً لتلك المصادر، تظل واشنطن والعواصم الخليجية مترددة في الالتزام بأي مؤتمر يتعلق بالمساعدة في إعادة الإعمار حتى ترى تقدماً ملموساً في نزع سلاح حزب الله.
وفي حين أن باريس قد تنجح في إقناع بعض المتشككين الدوليين والإقليميين بدعم اجتماع للمانحين للجيش اللبناني، والذي يُنظر إليه على أنه حيوي لتعزيز قدرته على فرض السيادة، فمن غير المرجح أن تحصل على دعم مماثل لمبادرة إعادة الإعمار الأوسع.
وتجد القيادة السياسية في لبنان نفسها في مأزق: فهي غير قادرة على إرغام جيشها على استخدام القوة، وهو ما يفتقر إليه، لنزع سلاح حزب الله، ولكنها في الوقت نفسه تواجه كتلة غربية وخليجية غير راغبة في تقديم الدعم المالي دون ضمانات جديرة بالثقة بأن أسلحة الحزب سوف توضع في نهاية المطاف تحت سيطرة الدولة.