طرابلس
قالت مصادر ليبية إن السلطات في طرابلس تستعد لإطلاق سراح عبد الله السنوسي، رئيس المخابرات السابق في عهد معمر القذافي، بعد 14 عاما قضاها في السجن في ظل ظروف صحية صعبة.
وأكدت المصادر أن عدة أوامر بالإفراج سبق أن صدرت لأسباب صحية، لكن فصائل سياسية وميليشياوية سعت إلى عرقلة تنفيذها، نظرا لحساسية السنوسي باعتباره أحد أبرز رموز نظام القذافي.
وبحسب المصادر نفسها، وافقت حكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبد الحميد الدبيبة رسميا على إطلاق سراح السنوسي في إطار مسعى لكسب ثقة مؤيدي النظام السابق، لا سيما بين القبائل الكبرى مثل ورفلة، ترهونة، مقارحة، الحساونة وورشفانة.
في يناير/كانون الثاني، دعا مفتي غرب ليبيا الصادق الغرياني إلى إقالة وزيرة العدل حليمة البوسيفي، عقب قرارها، لأسباب طبية، بإطلاق سراح السنوسي، المتهم بالضلوع في مذبحة سجن أبو سليم. وندد بالخطوة ووصفها بأنها “إهانة لضحايا بوسليم وعائلاتهم”، وطالب بمحاسبة الوزير على ما وصفه بـ”الإهمال في تطبيق العدالة”.
وفي يوليو/تموز، اتهم محامي السنوسي، أحمد نشاد، الدبيبة بـ “التدخل المباشر لوقف أمر الإفراج الذي سبق أن أصدرته وزيرة العدل حليمة البوسيفي لأسباب صحية”. كما حذرت أوساط محلية آنذاك من احتمال تسليم السنوسي إلى السلطات الأمريكية في إطار الجهود المتجددة لإعادة فتح قضية تفجير لوكربي.
ويقول محللون إن دبيبة يسعى إلى كسب أرضية سياسية من خلال توسيع قاعدة دعمه وتعويض تراجع شعبيته وسط دعوات متكررة لتشكيل حكومة جديدة بموجب مبادرة الأمم المتحدة الأخيرة. واحتشدت الجماعات المؤيدة للجيش والحركات الشعبية الموالية للمشير خليفة حفتر بشكل متزايد خلف مطالبة حفتر بقيادة المرحلة التالية.
ويراهن الدبيبة على تأمين دعم الموالين للقذافي، أو على الأقل جذبهم إلى تحالف تكتيكي، لمواجهة نفوذ حفتر المتزايد في شرق وجنوب البلاد.
وتأتي خطة إطلاق سراح السنوسي في أعقاب إعلان منفصل صادر عن حكومة الوحدة الوطنية في 6 نوفمبر/تشرين الثاني مفاده أن السلطات اللبنانية قررت إطلاق سراح هانيبال القذافي، ورفع حظر السفر عنه وشروط الكفالة المالية.
وقالت حكومة الوحدة الوطنية في بيان إن هذه الخطوة جاءت نتيجة “جهود دبلوماسية مكثفة ومراجعة قانونية وإنسانية دقيقة”، معربة عن تقديرها العميق للرئيس اللبناني جوزف عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري لتعاونهما. كما أكد البيان “عمق العلاقات الليبية اللبنانية” ورحب بالرد اللبناني الذي أدى إلى إطلاق سراح هانيبال القذافي وإزالة القيود المفروضة عليه.
وأكد الساعدي القذافي، شقيق هانيبال، النبأ عبر موقع X، شاكراً الحكومة اللبنانية والدبيبة والعديد من المسؤولين الليبيين للمساعدة في حل القضية.
وفي الأول من تشرين الثاني/نوفمبر، وصل وفد من حكومة الوحدة الوطنية إلى بيروت لإجراء محادثات مع المسؤولين اللبنانيين حول قضية هانيبال القذافي والعلاقات الثنائية.
وضم الوفد إبراهيم الدبيبة، مستشار رئيس الوزراء القوي الذي يعتقد أن سلطته الحقيقية تتجاوز بكثير دوره الرسمي، إلى جانب وزير الدولة للشؤون السياسية والاتصالات وليد اللافي والعديد من المستشارين من وزارتي العدل والخارجية.
والتقى الوفد عدداً من كبار الشخصيات اللبنانية، بينهم المدعي العام جمال حجار المحقق القضائي في قضية اختفاء الإمام موسى الصدر ورفاقه، القاضي زاهر حمادة، والقاضي حسن الشامي رئيس اللجنة المشرفة على القضية. واختتمت الزيارة بلقاء رئيس الجمهورية جوزاف عون، حضره كبار المستشارين، حيث بحث الجانبان تعزيز التعاون والتنسيق بين مؤسساتهما.
وذكرت وسائل إعلام لبنانية أن القاضي زاهر حمادة أصدر أمر الإفراج عن هانيبال القذافي بعد دفع كفالة تقدر بـ 80 مليار ليرة لبنانية (حوالي 893 ألف دولار أمريكي).
وبحسب مصادر ليبية، فقد دفع الوفد الليبي الكفالة وأبلغ هانيبال القذافي باستعداد الحكومة لتقديم الدعم الكامل لإقامته في أي بلد يختاره. وأعلن لاحقا قراره بالبقاء في لبنان مع عائلته.
ويُنظر إلى حكومة طرابلس على أنها تسعى إلى تعزيز شعبيتها، خاصة بين الموالين للقذافي في غرب ليبيا وفي المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني الليبي التابع لحفتر في الشرق.
وتراجعت شعبية الدبيبة إلى أدنى مستوى لها منذ أواخر عام 2022، عندما سلمت حكومته ضابط المخابرات الليبي السابق أبو عجيلة المريمي إلى الولايات المتحدة. واختطف مسلحون المريمي من منزله وتم تسليمه فيما بعد إلى واشنطن. واعترف الدبيبة في وقت لاحق بعملية النقل، مدعيا أن المريمي تونسي، ودعا إلى التمييز بين مسؤولية الدولة الليبية عن لوكربي والإجراءات الجنائية الفردية في القضية.
برزت عائلة الدبيبة خلال حكم القذافي، حيث جمعت ثروة هائلة بفضل العلاقة الوثيقة التي يعود تاريخها إلى ستينيات القرن الماضي بين العقيد القذافي وكبير العائلة علي الدبيبة، عمدة مصراتة السابق ورئيس منظمة تطوير المراكز الإدارية. اتُهم علي الدبيبة بالفساد والاختلاس على نطاق واسع قبل الانفصال عن القذافي في عام 2011 ومواجهته للمحاكمة في عام 2012.
واستعاد نفوذه لاحقاً بعد أن أصبح صهره عبد الحميد دبيبة رئيساً للوزراء، وأصبح ابنه إبراهيم الآن يسيطر فعلياً على جزء كبير من السلطة التنفيذية من وراء الكواليس.