رغم مرور أكثر من قرن على سقوط الدولة العثمانية، إلا أن هناك من يشعر بالحنين إلى أيامها.
ينبغي للمرء أن يكون حذراً لأن سوء قراءة التاريخ يمكن أن يجعل أي عقيدة دينية موضوعاً للسخرية والاستهزاء. يعتقد البعض أن عودة الخلافة تقدم الحل النهائي. لا يوجد مسلم أكثر استحقاقاً للخلافة من العثمانيين، هكذا تقول النظرية.
وبما أن العثمانيين قد اضمحلوا بسقوط إمبراطوريتهم، فمن المفترض أن الصولجان قد انتقل إلى السلطان التركي الجديد، رجب طيب أردوغان.
هناك نقاش مرتبك محاط بالنفاق والانتهازية حول هذه القضية بين طرفين دينيين وسياسيين: جماعة الإخوان المسلمين وأردوغان نفسه، الرجل الذي اكتشف أن البطولات لا تكلف فلسا واحدا.
تذبذبت علاقة أردوغان بالجماعة المصرية المحظورة بين المصالحة والعداء، حيث كانت المواقف تتحدد في كثير من الأحيان من المنظور التركي بالاقتصاد أكثر من أي شيء آخر. لكن الرئيس التركي انجذب إلى فكرة كونه سلطان عثماني جديد، ولو رمزيا.
إن جماعة الإخوان المسلمين التي فوجئ أعضاؤها بتغير موقف أردوغان تجاههم، لم يجدوا في إيران البديل الرمزي الذي كانوا يبحثون عنه لتحقيق أحلامهم في الخلافة، رغم أن أحداً لم يأخذ الأمر على محمل الجد، وهو ما يعني أن الطرفين أجبرا على اللعب لوقت إضافي، ويريدان فقط إكمال ما بدأاه.
إن أردوغان خليفة ما زال ينتظر عرشه. ومن وجهة نظر القاعدة الشعبية لجماعة الإخوان المسلمين، فإنه سيعرض الخلاص. وما زال أردوغان يهذي وكأن السلطنة قد تكون في متناوله في أي لحظة. لقد عادت البلاد التي تركها أسلافه نائمة إلى النوم بعد أن غرقت في خرافات الرجال المعممين.
وقال أردوغان عن الأحداث الجارية في فلسطين: “لا يمكن لتركيا أن تظل صامتة إزاء ما يحدث في دولة حكمتها لمدة 400 عام”. وأية 400 عام!
لقد كان لزاماً على شعوب وحكومات الشرق الأوسط التي سيطر عليها العثمانيون لأربعة قرون أن تطالب الأتراك المعاصرين بالاعتذار عما فعله أسلافهم، فقد كان صمتهم جريمة تاريخية تزيد الطين بلة بعد سلسلة الجرائم المهينة التي ارتكبها العثمانيون بدافع العنصرية والتخلف واحتقار الشعوب التي حكموها. إن بحث الإخوان المسلمين عن مبرر تاريخي لإحياء الخلافة العثمانية، يصب في مصلحتهم في تعزيز الظلام والجهل والفقر والتخلف في البلدان التي استخدموا فيها الدين كوسيلة لتجنيد الفقراء والبسطاء في قضيتهم.
لقد حكم العثمانيون ما أصبح فيما بعد الشرق الأوسط لأكثر من أربعمائة عام. وهذه حقيقة تاريخية. ولكنها كانت سنوات من الهلاك والاضطراب والإذلال والإهانة والإفقار، وهي أمور لا يمكن لأي عاقل أن يفخر بها.
لقد بدا أردوغان في كل تصرفاته أشبه بالمهرج. ولذلك فإن إسرائيل، على سبيل المثال، والتي كانت موضوعاً لجزء كبير من تصرفاته، لم تأخذه على محمل الجد. إن أردوغان منفصل عن الواقع، ولكن لحسن الحظ بالنسبة له، فهو محاط بدول عربية فاشلة لا تستطيع إسكاته.
لقد أحسن أردوغان حين لم يذكر الأربعمائة سنة المظلمة التي مرت بها الدول العربية تحت حكم الإمبراطورية العثمانية. وعندما يتعلق الأمر بفلسطين، هل كان العثمانيون أقل وحشية من الإسرائيليين؟ يتعين علينا أن نقرأ التاريخ بعناية. ولأن أردوغان رجل انتهازي متعصب، فإن التاريخ لا يعني له شيئا.
كان العثمانيون أشد قسوة من المغول الذين دمروا المدن وهجروها، فقد أرسى العثمانيون تقاليد التخلف في كل مكان حكموه، وحولوا المدن إلى مستنقعات راكدة بسياسات التتريك التي سعت إلى نزع هوية الناس وتعطيل عقولهم، وكان العصر العثماني عصراً مظلماً منع الناس من ممارسة حياتهم بالشكل الذي يليق بإنسانيتهم.
هذا هو مصدر فخر أردوغان وموضوع تذكيراته للفلسطينيين. ويبقى السؤال الأهم: ماذا وعد السلطان غير المتوج الفلسطينيين بإنقاذهم؟ لم يقدم لهم شيئا ملموسا سوى تذكيرهم بأنهم كانوا ذات يوم رعايا لسلطنة زائلة حرمتهم من وطنهم وجندت شبابهم في خدمة حروبها الخاسرة.
إن ما قاله أردوغان في دعم الشعب الفلسطيني وما سيقوله في المستقبل لا يعكس إلا الإرث القديم لرجل أوروبا المريض. فبزوال الإمبراطورية العثمانية تخلص العالم العربي من الظلامية التي استخدمت الإسلام كغطاء. وإذا كان أردوغان يكذب من أجل تصوير نفسه على أنه السلطان الجديد، فإن جماعة الإخوان المسلمين تكذب أيضاً من أجل استخدام الخلافة كنقطة انطلاق لتحقيق شوقها الغريب إلى التخلف.
