تشهد بطولة كأس الأمم الأفريقية لكرة القدم هذا العام استمرار وتصاعد ظاهرة الاعتماد على اللاعبين المولودين في أوروبا من أصول أفريقية. مع اقتراب انطلاق البطولة في المغرب، يتضح أن ما يقرب من ثلث اللاعبين المشاركين يمثلون منتخباتهم الوطنية على الرغم من نشأتهم الكروية في القارة الأوروبية، مما يعكس تحولاً كبيراً في ديناميكيات كرة القدم الأفريقية.
هذه الظاهرة ليست جديدة، ولكنها تزداد بروزاً مع كل نسخة من البطولة. وتأتي في سياق الهجرة المتزايدة من أفريقيا إلى أوروبا على مدار العقود الماضية، والفرص التي توفرها البنية التحتية الرياضية المتقدمة في الدول الأوروبية لتطوير المواهب الشابة. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 190 لاعباً من بين مجموع اللاعبين المشاركين في البطولة الحالية، ولدوا في أوروبا.
تاريخ الاعتماد على اللاعبين الأوروبيين الأفارقة في كأس الأمم الأفريقية
بدأت هذه الموجة مع موجات الهجرة في القرن العشرين، حيث استقر العديد من الأفارقة في فرنسا وبلجيكا وإسبانيا وهولندا، وهي دول تمتلك تاريخاً طويلاً في الاستعمار الأفريقي. وبمرور الأجيال، وجد أبناء المهاجرين أنفسهم في صلب المشهد الرياضي الأوروبي، بتلقيهم التدريب في الأكاديميات المرموقة.
تعديلات قوانين الفيفا ودورها المحوري
لعب الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) دوراً حاسماً في تسهيل هذه الظاهرة، من خلال تعديل قوانين الأهلية الدولية. سمحت هذه التغييرات، التي أُقرت قبل حوالي عقدين، للاعبين الذين يمتلكون جنسية مزدوجة بتمثيل منتخبين مختلفين طوال مسيرتهم الكروية، بعد تمثيل فريق الشباب لأحد البلدين. وقد فتح ذلك الباب أمام العديد من اللاعبين الموهوبين لتمثيل بلدانهم الأم، بعد أن اكتسبوا الخبرة في أوروبا.
على سبيل المثال، لعب ويلفريد زاها مباريات ودية مع منتخب إنجلترا قبل أن يقرر تمثيل ساحل العاج، وهو مثال يوضح مرونة القواعد الحالية. هذا التغيير في اللوائح لم يكن بدون جدل، حيث أثار تساؤلات حول الهوية الوطنية والولاء الرياضي.
أمثلة بارزة من المنتخبات المشاركة
تظهر الإحصائيات مدى اعتماد بعض المنتخبات بشكل خاص على اللاعبين المولودين في أوروبا. فمنتخب جزر القمر، الذي يسعى لترك بصمة في البطولة، يعتمد بشكل كبير على اللاعبين ذوي الأصول القمرية الذين ولدوا في فرنسا. حيث أن 25 من أصل 26 لاعباً في قائمة جزر القمر ولدوا في أوروبا، وفقًا للبيانات المتاحة.
بالإضافة إلى ذلك، تبرز منتخبات مثل المغرب والجزائر والكونغو الديمقراطية وغينيا الاستوائية في اعتمادها على اللاعبين الذين نشأوا في أندية أوروبية. يضم منتخب السنغال، الذي يعتبر من أبرز المرشحين للفوز بالبطولة، أيضاً نسبة كبيرة من اللاعبين المولودين في أوروبا، مما يعزز من قوته التنافسية. هناك أيضاً زيادة في استخدام اللاعبين ذوي الأصول الأفريقية من دول مثل البرتغال والمانيا.
التأثيرات والأهمية المتزايدة لظاهرة اللاعبين المولودين في الخارج
لا شك أن هذه الظاهرة ساهمت في رفع مستوى المنافسة في كأس الأمم الأفريقية. فاللاعبون الذين تدربوا في أوروبا يجلبون معهم مهارات تكتيكية وتقنية متقدمة، مما يتيح لمنتخباتهم منافسة الفرق التقليدية بقوة أكبر. وقد ظهر ذلك جلياً في أداء بعض المنتخبات “الصاعدة” في الدورات الأخيرة.
علاوة على ذلك، أدت هذه الظاهرة إلى زيادة الاهتمام الدولي بالبطولة، حيث يشارك في البطولة لاعبون ينشطون في أكبر الأندية الأوروبية. كما أن ذلك يجذب المزيد من وسائل الإعلام والجماهير من جميع أنحاء العالم لمتابعة البطولة. وتشير التقارير إلى زيادة ملحوظة في حقوق البث التلفزيوني والإعلانات المرتبطة بالبطولة.
ومع ذلك، لا يزال هناك جدل حول هذه الظاهرة، حيث يرى البعض أنها تُضعف كرة القدم الوطنية في أفريقيا، من خلال إغراء اللاعبين باللعب لأوروبا بدلاً من تطوير المواهب المحلية. في المقابل، يعتبر آخرون أنها فرصة لتعزيز مستوى المنافسة وتبادل الخبرات. بعض المنتخبات، مثل مصر وجنوب أفريقيا، لا تزال تعتمد بشكل كبير على اللاعبين المحليين، مما يطرح سؤالاً حول الاستراتيجية المثلى لتطوير كرة القدم الأفريقية.
في الختام، من المتوقع أن تستمر هذه الظاهرة في الصعود في السنوات القادمة، مع تزايد الهجرة من أفريقيا إلى أوروبا وتطور قوانين الفيفا. ستكون النسخة القادمة من البطولة فرصة لمراقبة مدى تأثير اللاعبين المولودين في أوروبا على نتائج المنتخبات الأفريقية، وما إذا كانت هذه الظاهرة ستؤدي إلى تغييرات كبيرة في المشهد الكروي للقارة السمراء. ومن المهم متابعة تطورات هذه الظاهرة وتقييم آثارها على المدى الطويل، مع الأخذ في الاعتبار التحديات والفرص التي تطرحها.