وفي عالم اليوم الذي تحكمه العولمة، فإن المجتمع المتعدد الثقافات ليس مجرد طموح، بل هو ميزة قيمة للمجتمع الأكبر. إن الشمول للثقافات والسلوكيات والممارسات المختلفة يأتي مع الوعي الجماعي والتسامح المكتسب. على الرغم من الخلفية التاريخية والثقافية والجيوسياسية المتميزة، إذا تمكنت دولة ما من احتضان التنوع بنجاح، فلن يؤدي ذلك إلا إلى تعزيز التماسك الاجتماعي والنمو الاقتصادي والتقدم.
إن الهند، بماضيها العريق الذي يعود إلى آلاف السنين، هي شهادة على إمكانية التنوع. تعد الهند موطنًا لأكثر من 1.3 مليار شخص من أعراق وأديان وتقاليد مختلفة، وتجسد مفهوم الوحدة في التنوع. وبصرف النظر عن هذا، يتحدث الهنود عادة أكثر من لغة واحدة. وهناك قول مأثور شعبي يصور على نحو ملائم التنوع اللغوي في الهند: Kos-kospar Badle paani, chaar kos par baani (تتغير اللغة المستخدمة في الهند كل بضعة كيلومترات، تماما مثل طعم الماء). وقد تعايشت التعددية الدينية أيضًا مع الهندوسية والإسلام والمسيحية والسيخية والبوذية والجاينية، من بين طوائف أخرى، مما شكل المشهد الثقافي للبلاد.
وتكمن قوة الهند في قدرتها على استيعاب الاختلافات والاحتفال بها. من مهرجانات ديوالي والعيد وعيد الميلاد النابضة بالحياة إلى المأكولات المتنوعة التي تثير براعم التذوق، تجسد الهند روح الوحدة في التنوع.
أحد العوامل الرئيسية المساهمة هو الإرث التاريخي للأمة من الشمولية. وعلى الرغم من فترات الصراع الدورية، فقد ازدهر المجتمع الهندي إلى حد كبير على مبادئ التسامح والتعايش. إن فلسفة فاسودهايفا كوتومباكام، والتي تُترجم إلى “العالم عائلة واحدة”، تشجع المواطنين على احتضان الإنسانية جمعاء كإنسان واحد. وتنعكس هذه العقلية الشاملة في المبادئ الديمقراطية في الهند، حيث يُضمن لكل مواطن الحقوق والفرص المتساوية، بغض النظر عن خلفيته.
وبالتضييق أكثر، فإن مدينة مومباي هي التي تبرز كنموذج يحتذى به للتعددية الثقافية في الهند. غالبا ما يشار إليها باسم “مدينة الأحلام”. مومباي هي بوتقة تنصهر فيها الثقافات، حيث يعيش الناس من خلفيات متنوعة ويعملون معًا في وئام. من احتفالات غانيش شاتورثي الأيقونية، إلى تأثيرات الطهي المزدهرة من جميع أنحاء البلاد، تجسد مومباي حقًا روح المشهد متعدد الثقافات في الهند.
زاهان أناند
وعلى الجانب الآخر من المحيط، تعكس دولة الإمارات العربية المتحدة إيديولوجية مماثلة. مع وجود أكثر من 80% من السكان المغتربين من أكثر من 200 دولة، فإن التنوع موجود في الحمض النووي للبلاد.
دبي – المدينة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في الإمارات، والتي تتميز بأفقها المليء بالأبراج المتلألئة والعجائب المعمارية والشوارع المزدحمة، وهي رمز عالمي للعالمية. هنا، شهر رمضان المبارك لا يحتفل به المسلمون فقط. على الرغم من تخفيف قواعد الاستهلاك العام للطعام والشراب في الأماكن العامة، إلا أن السكان لا يتناولون الطعام في الأماكن العامة خلال ساعات الصيام، بينما يتم الاحتفال بوجبات المساء (الإفطار، يليها السحور) بإثارة كبيرة في جميع أنحاء الإمارة.
وقد نفذت الحكومة الحكيمة سياسات لتعزيز التسامح والتماسك الاجتماعي، مع إنشاء وزارة التسامح التي تؤكد التزام الحكومة بتعزيز الاحترام المتبادل والتفاهم بين سكانها المتنوعين. مبادرات مثل “عام التسامح” واستضافة الفعاليات المشتركة بين الأديان، مثل زيارة الأشخاص المبجلين مثل البابا فرانسيس في عام 2019، وسادغورو، وسري سري رافي شانكار، وبناء المعبد الهندوسي في أبوظبي، تسلط الضوء على جهود دولة الإمارات العربية المتحدة لتعزيز الحوار والتعايش.
لقد أظهرت كل من الهند والإمارات العربية المتحدة للعالم ما يعنيه الاحتفاء بالتنوع كمحرك للتقدم والازدهار. ومع استمرار العالم في التصدي لقضايا الهوية والهجرة والتعددية الثقافية، تقدم تجارب الهند والإمارات العربية المتحدة دروسا قيمة في بناء مجتمعات متناغمة ومزدهرة للأجيال القادمة.
زاهان أناند كاتب مستقل في The Daily Milap
