من الكوليرا إلى الإسهال المزمن ونوبات الربو الناجمة عن العواصف الرملية، فإن قائمة المشاكل الصحية التي تواجه المجتمعات المحرومة طويلة
علي الذي يعاني من اليرقان يحمله شقيقه الأكبر في قرية الزاوية التابعة لمحافظة الدوينة جنوبي العراق في 9 أغسطس 2023. – أ ف ب
أب عراقي قلق يشير إلى بثرة على وجه ابنته البالغة من العمر سنة واحدة، نتيجة لعدوى طفيلية تحملها ذبابة الرمل في قريتها النائية.
وقال ناجح فرحان عن البثرة التي ظهرت على فم طيبة بينما كان الطفل الصغير يلعب بلهاية في منزلهم في محافظة الديوانية التي ضربها الجفاف: “إنه مرض جلدي، ’دمل بغداد‘”.
ومثل عدد لا يحصى من الأطفال الآخرين في العراق – البلد الذي يكافح آثار الحرب والفقر الراسخ والإجهاد المائي وارتفاع درجة حرارة الكوكب – فإن طيبة مريضة ولكنها لا تستطيع الحصول على رعاية صحية جيدة.
وقال فرحان، وهو أب لسبعة أطفال، عن قريته الصغيرة الزوية: “لا يوجد مركز طبي، وليس لدينا أي شيء”.
أصيبت طيبة بمرض يسمى داء الليشمانيات الجلدي، وهو مرض مستوطن في العراق منذ عقود.
فتاة تحمل شقيقها الذي يعاني من مغص معوي لفحصه من قبل الطاقم الطبي في قرية العياش التابعة لمحافظة الدوينة جنوبي العراق في 9 أغسطس 2023. – أ ف ب
وبحلول عام 2022، قالت منظمة الصحة العالمية إنه تم تسجيل 8000 إصابة في البلاد.
لكن هذا العام، وفي “تطور مفاجئ”، أبلغت عن أول حالة مؤكدة في محافظة كانت “تقليديًا خالية من ذبابة الرمال” في شمال العراق.
وأشارت وكالة الأمم المتحدة إلى “عدم كفاية فرص الحصول على العلاج الطبي في المناطق النائية” كسبب للمرض – لكن مسؤولا كبيرا في منظمة الصحة العالمية سلط الضوء أيضا على آثار تغير المناخ.
وقال وائل حتاحت ممثل منظمة الصحة العالمية في العراق لوكالة فرانس برس إن “ذبابة الرمل، مثل أي حشرة أخرى، تزدهر عند درجة حرارة ورطوبة محددة”.
وأشار إلى “ارتفاع درجة الحرارة في العراق وتغير نمط تساقط المياه” وقال إن انتشار المرض الذي تحمله ذبابة الرمل شمالا “لا يمكن تفسيره ما لم يكن هناك تغير مناخي”.
ثلاثة من الأطفال السبعة للأب العراقي ناجح فرحان، يقفون في فناء منزلهم المبني من الطوب اللبن في قرية الزاوية بمحافظة الدوينة، جنوب العراق، في 9 أغسطس 2023. – وكالة فرانس برس
طيبة وأحد أشقائها، الذي يعاني من اليرقان والطفح الجلدي، هما ضحيتا أزمة الصحة العامة الأوسع في العراق.
فمن الكوليرا إلى الإسهال المزمن ونوبات الربو الناجمة عن العواصف الرملية، فإن قائمة المشاكل الصحية التي تواجه المجتمعات المحرومة طويلة.
ويدير الهلال الأحمر العراقي حملة في تسع محافظات في جنوب ووسط البلاد حيث ألحقت درجات الحرارة المرتفعة والجفاف أضرارا بالغة بالمجتمعات الزراعية.
وقد أرسلت 25 طبيباً و150 متطوعاً وخمس عيادات متنقلة و10 سيارات إسعاف في حملة لتوفير الرعاية الطبية المجانية ورفع مستوى الوعي حول مجموعة من التهديدات الصحية.
وفي إحدى المحطات الأخيرة، كانت نساء يرتدين ملابس سوداء ينتظرن إلى جانب سيارات الإسعاف لفحص طفل، في العياش، وهي قرية أخرى في الديوانية، بينما يقوم عمال الإغاثة بفرز الإمدادات الطبية الخاصة بهم.
وعددت الصيدلانية رغدة إحسان الحالات الأكثر شيوعا التي يعالجها الفريق: “التهابات معوية، أمراض جلدية، طفح جلدي ناتج عن سوء نوعية المياه، التهاب المسالك البولية”.
تشكل المياه القذرة وغير الآمنة تهديداً صحياً رئيسياً في العراق، وهو أحد البلدان الخمسة الأكثر تضرراً من آثار تغير المناخ والذي يعاني الآن من الجفاف للسنة الرابعة على التوالي.
وتتفاقم هذه الندرة بسبب انخفاض تدفقات نهري دجلة والفرات بسبب السدود عند المنبع، والأضرار الناجمة عن الصراع وإهمال خطط المعالجة والبنية التحتية للمياه.
واعترف مسؤول في وزارة البيئة مؤخراً بأن “أنابيب الصرف الصحي في بغداد تصرف المياه العادمة مباشرة إلى نهر دجلة”، وذلك في تصريحات نقلتها صحيفة “الصباح” الحكومية.
وتنتشر الكوليرا في الشمال، خاصة في السليمانية، ثاني أكبر مدينة في كردستان العراق، حيث سجلت منظمة الصحة العالمية 152 حالة إصابة مؤكدة حتى 12 سبتمبر/أيلول.
وقال صباح حورامي، مدير هيئة الصحة في السليمانية، إن “السبب الرئيسي هو استخدام المياه غير الصالحة للشرب”.
وأصر على أن المسؤولين يتخذون إجراءات من خلال اختبار محتوى الكلور في إمدادات المياه العامة وتشديد الرقابة على صهاريج المياه والمطاعم والمساجد.
وأضاف أنه مع تدفق المرضى على المستشفيات المحلية، “لم نعد نقوم بفحص الأشخاص. فالأشخاص الذين يعانون من الإسهال والقيء يتم علاجهم تلقائيًا على أنهم حالات كوليرا”.
وقال عالم الأنثروبولوجيا الطبية، ماك سكيلتون، الذي يرأس معهد الدراسات الإقليمية والدولية في الجامعة الأمريكية في العراق-السليمانية، إن الإجهاد المائي هو جوهر التهديدات الصحية.
وأضاف أن “انخفاض تدفق المياه يعني ارتفاع تركيزات مياه الصرف الصحي والملوثات الصناعية في إمدادات المياه، والتي عادة لا تستطيع مرافق معالجة المياه في العراق معالجتها بشكل كاف”.
وأضاف أن ذلك “يرتبط بمجموعة من الحالات مثل الكوليرا وأمراض الجهاز الهضمي والأمراض الجلدية والإسهال”.
وقال سكيلتون إنه بالنظر إلى المستقبل، يحتاج العراق إلى “أنظمة صحة عامة محسنة لتحذير السكان من التلوث المتزايد ومراقبة تفشي المرض”.
وأضاف أن “تعزيز البنية التحتية لمعالجة المياه المتدهورة بشكل خطير في العراق أمر ضروري أيضًا”.
