يقوم بائع صحف بترتيب الصحف التي تتناول اعتقال تاجر المخدرات المكسيكي إسماعيل “إل مايو” زامبادا وخواكين جوزمان لوبيز، نجل “إل تشابو” جوزمان، في مدينة مكسيكو سيتي في 26 يوليو/تموز. — رويترز
بينما كانت طائرة مروحية تحلق يوم الخميس باتجاه الحدود الأمريكية المكسيكية للعبور بشكل غير قانوني، تسابق عملاء الولايات المتحدة لاستقبالها في مطار بلدي صغير بالقرب من إل باسو في تكساس، واعتقال رجلين كانا جزءًا من عائلة تاجر المخدرات المكسيكية.
كان نجل زعيم عصابة سينالوا السابق المسجون خواكين “إل تشابو” جوزمان يخطط لتسليم نفسه فور هبوط الطائرة. أما الراكب الآخر – تاجر المخدرات الأسطوري السبعيني إسماعيل “إل مايو” زامبادا – فلم يفعل ذلك، وخدعه الشاب الأصغر سناً، وفقاً لمسؤولين أمريكيين حاليين ومسؤولين سابقين مطلعين على الوضع.
وقالت المصادر إن اعتقال زامبادا جاء بعد محادثات مطولة بين السلطات الأميركية ونجل إل تشابو، خواكين جوزمان لوبيز. لكن العديد من المسؤولين الأميركيين فقدوا الأمل في أن يسلم خواكين نفسه، ولم يكونوا على علم بذلك عندما أرسل رسالة في اللحظة الأخيرة مفادها أنه سيصل برفقة زعيم عصابة كانت السلطات الأميركية تطارده منذ أربعة عقود.
وقال أحد المسؤولين الأميركيين، الذي رفض الكشف عن هويته لأنه غير مخول له بالحديث علناً عن الاعتقالات: “كان إل مايو بمثابة الكرز على الكعكة. لم يكن ذلك متوقعاً على الإطلاق”.
وأقنع جوزمان لوبيز زامبادا بالصعود على متن الطائرة بعدما أخبره أنهم كانوا يسافرون لرؤية العقارات في شمال المكسيك، بحسب مسؤولين أميركيين حاليين ومسؤول سابق.
كانت وكالة رويترز للأنباء أول مؤسسة إخبارية تنشر خبر الاعتقالات، قبل بيان وزارة العدل مساء الخميس الذي أكد اعتقال الرجلين في إل باسو. وتحدثت وكالة الأنباء إلى مسؤولين حاليين وسابقين لجمع تفاصيل العملية.
وقال مصدر خامس وهو مسؤول أميركي رفض الكشف عن تفاصيل أخرى بشأن الاعتقالات إن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي (إف بي آي) ومكتب التحقيقات في الأمن الداخلي، وهما الوكالتان اللتان نفذتا العملية، أرسلا عملاء من مكاتبهما المحلية في إل باسو وبالكاد وصلا إلى المطار عندما هبطت الطائرة الخاصة.
وقال أحد العاملين في مطار مقاطعة دونا آنا الدولي للطائرات، بالقرب من إل باسو، لرويترز إنه رأى طائرة من طراز بيتشكرافت كينج إير تهبط بعد ظهر يوم الخميس على المدرج، حيث كان عملاء فيدراليون ينتظرون بالفعل.
وقال الرجل الذي رفض الكشف عن اسمه خوفا على سلامته: “نزل شخصان من الطائرة… وتم احتجازهما بهدوء”.
لقد هز الاعتقال غير المتوقع لإل مايو، وهو في أواخر السبعينيات من عمره، والطريقة التي يبدو أنه تعرض بها للخيانة من قبل جوزمان لوبيز، الذي يبلغ من العمر حوالي 38 عامًا، عالم الاتجار بالمخدرات في المكسيك، مما أثار مخاوف من حدوث انقسام دموي في كارتل سينالوا بين العائلتين اللتين تسيطران على أكبر قواعد القوة في المجموعة.
ويُتهم زامبادا بأنه أحد أخطر تجار المخدرات في تاريخ المكسيك، حيث شارك في تأسيس كارتل سينالوا مع “إل تشابو” جوزمان، الذي تم تسليمه إلى الولايات المتحدة في عام 2017 ويقضي عقوبة بالسجن مدى الحياة في سجن شديد الحراسة في كولورادو.
ولم يتسن لرويترز تحديد السبب وراء خيانة جوزمان لوبيز لشريك والده القديم، على الرغم من أن المصادر الأربعة الحالية والسابقة قالت إن ذلك على الأرجح كان بسبب رغبته في الحصول على صفقة إقرار ذنب أكثر ملاءمة من السلطات الأمريكية ومساعدة شقيقه أوفيديو الذي اعتقل وتم تسليمه إلى الولايات المتحدة في عام 2023.
لقد جعلت السلطات الأمريكية زعماء المخدرات أهدافًا رئيسية، وكثيراً ما عقدت معهم صفقات إقرار ذنب مقابل معلومات تؤدي إلى القبض على شخصيات أخرى رفيعة المستوى في الكارتل.
وقال المسؤول الأول إن الاتصالات السرية بين المسؤولين الأميركيين وجوزمان لوبيز جرت من خلال محامين. ورفض جيفري ليختمان، الذي يمثل الأخوين جوزمان، التعليق.
دفع زامبادا، الذي كان على كرسي متحرك، ببراءته يوم الجمعة في محكمة بولاية تكساس من تهم المخدرات، بما في ذلك استمرار الأعمال الإجرامية، والمؤامرة على استيراد المخدرات، وغسيل الأموال.
وقال محاميه فرانك بيريز يوم الجمعة إن زامبادا لم يأت إلى الولايات المتحدة طوعا. وفي مساء السبت، قال بيريز إن جوزمان لوبيز “اختطفه قسرا” في المكسيك وأحضره إلى الولايات المتحدة ضد إرادته.
ومن المقرر أن يظهر جوزمان لوبيز أمام المحكمة الأسبوع المقبل في شيكاغو، حيث وجهت إليه أول اتهامات تتعلق بالمخدرات قبل نحو ست سنوات.
جوزمان لوبيز هو أحد أبناء إل تشابو الأربعة المعروفين باسم لوس تشابيتوس أو تشابوس الصغير الذين ورثوا فصيل والدهم في الكارتل. ولدى خواكين وأوفيديو نفس الأم، بينما ينحدر الشقيقان الآخران – إيفان وخيسوس ألفريدو – من زواج إل تشابو الأول.
في السنوات الأخيرة، تعرض الأخوان لضغوط شرسة من جانب السلطات الأمريكية، التي جعلتهما هدفين رئيسيين لمكافحة المخدرات، وصوَّرتهما وكارتل سينالوا باعتبارهما أكبر تجار الفنتانيل إلى الولايات المتحدة. ارتفعت جرعات الفنتانيل الزائدة لتصبح السبب الرئيسي للوفاة بين الأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و45 عامًا.
قال راي دونوفان، المسؤول السابق رفيع المستوى في إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية، إن الهزائم التي لحقت بزعماء كارتل سينالوا الرئيسيين في الماضي القريب ترجع في المقام الأول إلى تبنيهم للفنتانيل، الذي ارتفع على الأجندة السياسية في واشنطن مع تزايد الوفيات في شوارع الولايات المتحدة.
وقال دونوفان “إن عدد الأميركيين الذين يموتون زاد من الضغوط بشكل كبير، وكان الفنتانيل سبباً في انخفاض أعدادهم”.
وأشاد الرئيس الأمريكي جو بايدن، الجمعة، بالاعتقالات وتعهد بمواصلة مكافحة “آفة الفنتانيل”.
الجيل الجديد من المخدرات
ومن المعروف أن أبناء إل تشابو أكثر عنفاً واندفاعاً من زامبادا، الذي كان معروفاً بأنه رجل ماكر يحب البقاء في الظل. كما كان يُنظر إلى جوزمان لوبيز على أنه أقل أهمية من إخوته الثلاثة الآخرين.
كانت السلطات الأميركية قد رصدت مكافأة قدرها 15 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض على زامبادا، الذي شارك في تأسيس كارتل سينالوا في أواخر ثمانينيات القرن العشرين مع إل تشابو. كما رصدت مكافأة قدرها 5 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض على جوزمان لوبيز. ويواجه الرجلان اتهامات متعددة في الولايات المتحدة.
وحذر المسؤول الأميركي الأول من أن هناك العديد من الأسئلة التي لا تزال بلا إجابة حول كيف أو لماذا وجد زامبادا، وهو زعيم كارتل شديد الحذر وذو خبرة، نفسه على متن تلك الطائرة.
وقالت وزيرة الأمن المكسيكية روزا رودريجيز إن المكسيك أُبلغت بالاعتقالات من قبل الحكومة الأميركية، لكن السلطات المكسيكية لم تشارك في العملية.
اتخذ الرئيس المكسيكي المنتهية ولايته أندريس مانويل لوبيز أوبرادور نهجا حذرا في التعامل مع عصابات المخدرات القوية، فقام بتقييد التعاون الأمني مع السلطات الأمريكية وسط مخاوف من أن الاستراتيجية السابقة بين الولايات المتحدة والمكسيك في استهداف زعماء العصابات الأقوياء كانت تؤدي إلى المزيد من العنف على مستوى البلاد.
في أكتوبر 2019، ألقت القوات العسكرية المكسيكية القبض على أوفيديو لكنها اضطرت إلى إطلاق سراحه بعد أن قام مئات من جنود المشاة التابعين لعصابة سينالوا بإغلاق الطرق وخوض معارك بالأسلحة النارية مع الجنود أثناء محاصرتهم لمدينة كولياكان، عاصمة سينالوا. ألقت القوات العسكرية القبض على أوفيديو مرة أخرى في يناير 2023 وتم تسليمه في سبتمبر من العام الماضي.
وقال ماثيو ألين، وهو عميل خاص سابق مسؤول عن قسم أريزونا في جهاز الأمن الداخلي والذي قام بإعداد لوائح الاتهام ضد جوزمان لوبيز وشخصيات أخرى في كارتل سينالوا، إن زامبادا وجوزمان لوبيز أجريا محادثات دورية مع مسؤولين أمريكيين بشأن الاستسلام على مر السنين.
وقال ألين، الذي يحافظ على اتصال منتظم مع زملائه السابقين في HSI، إن العديد من المتاجرين، وخاصة أولئك من الجيل الأصغر سنا، يدركون أن تسليم أنفسهم وقضاء بعض الوقت في السجن ثم إنفاق ثرواتهم هو خيار أفضل من المخاطرة بالموت على يد منافسين في المكسيك أو القبض عليهم من قبل السلطات مما قد يؤدي إلى أحكام بالسجن مدى الحياة. يُسمح لبعض المخبرين بالدخول في برامج حماية الشهود.
وقال “إنهم يرون أنه بهذه الطريقة يمكنك قضاء وقتك دون الحاجة إلى النظر خلف كتفك لبقية حياتك”.
