ولا تقتصر هذه الخطوة على الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة فحسب، بل تتعلق أيضًا بتنويع اقتصاد البلاد وخلق فرص العمل
مشروع الظفرة للطاقة الشمسية الكهروضوئية كمنتج مستقل للطاقة (IPP) في أبوظبي. الصورة: ملف وكالة فرانس برس
وضعت دولة الإمارات العربية المتحدة خططاً لتقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري وزيادة استخدامها للطاقة منخفضة الكربون بهدف تحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050. وستتطلب هذه الخطوة، التي تتسم بالطموح والتحدي، استثمارات كبيرة في الطاقة منخفضة الكربون و تقنيات كفاءة الطاقة. باعتبارها دولة منتجة للنفط على مستوى العالم، فإن اتجاه دولة الإمارات العربية المتحدة نحو الطاقة منخفضة الكربون ملحوظ حتى على نطاق واسع.
تتمثل المحركات الرئيسية لتحول الطاقة في دولة الإمارات العربية المتحدة في الحوافز المالية. وقد قدمت الحكومة العديد من البرامج لدعم الاستثمار في مشاريع الطاقة منخفضة الكربون، بما في ذلك الإعفاءات الضريبية والقروض منخفضة الفائدة والمنح. وبالإضافة إلى ذلك، يوجد في دولة الإمارات العربية المتحدة العديد من شركات رأس المال الاستثماري ومؤسسات التمويل المستدام التي تستثمر في الشركات الناشئة والمشاريع منخفضة الكربون في مجال الطاقة.
تم تصنيف دبي ضمن أفضل 20 مدينة حول العالم للاستثمار الأجنبي المباشر في قطاع الطاقة المتجددة. ومع الاستثمارات الضخمة في مجالات تشمل الطاقة الشمسية، من بين أمور أخرى، تشير التقديرات إلى أن القطاع سيساهم في زيادة نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تصل إلى 5.5 في المائة وخلق 160 ألف فرصة عمل بحلول عام 2030.
وأعلنت مبادلة للطاقة ومصدر هذا العام عن مشروع مشترك للاستثمار في مشاريع إزالة الكربون وتحويل الطاقة. وسيبلغ رأس مال المشروع المشترك 20 مليار درهم (5.4 مليار دولار) وسيركز على مشاريع في مجال الطاقة المتجددة والطاقة النووية واحتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه (CCUS).
هناك محرك رئيسي آخر لتحول الطاقة منخفضة الكربون في دولة الإمارات العربية المتحدة وهو تقدم تقنيات الطاقة المتجددة. انخفضت تكلفة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بشكل كبير في السنوات الأخيرة، مما يجعلها أكثر قدرة على المنافسة مع الوقود الأحفوري. بالإضافة إلى ذلك، تظهر تقنيات جديدة للطاقة المتجددة، مثل الهيدروجين الأخضر، والتي يمكن أن تلعب دورًا رئيسيًا في مزيج الطاقة المستقبلي.
وتقوم شركة مصدر بالتعاون مع مجموعة من الشركات بتطوير أكبر مشروع للهيدروجين الأخضر في العالم وسينتج 200 ألف طن من الهيدروجين الأخضر سنوياً. الهيدروجين الأخضر هو وقود نظيف ومستدام يمكن استخدامه لإزالة الكربون من مجموعة متنوعة من الصناعات، بما في ذلك النقل والتصنيع.
وتستثمر دولة الإمارات العربية المتحدة أيضًا بكثافة في تقنيات تحويل الطاقة في القطاعات الرئيسية، مثل النقل والتصنيع والزراعة.
إن التحول إلى الطاقة المنخفضة الكربون في دولة الإمارات العربية المتحدة ليس مفيداً للبيئة فحسب، بل للاقتصاد أيضاً. يعمل قطاع الطاقة منخفض الكربون على خلق فرص عمل جديدة وجذب أعمال جديدة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة. وفي الواقع، أعلنت وزارة الطاقة والبنية التحتية في دولة الإمارات العربية المتحدة عن برنامج جديد لدعم تطوير وتسويق مشاريع الهيدروجين الأخضر. سيوفر البرنامج حوافز مالية وغيرها من أشكال الدعم للشركات التي تعمل على تطوير تقنيات إنتاج الهيدروجين الأخضر وتخزينه ونقله واستخدامه.
وفي المستقبل، من المتوقع أن تلعب الهيدروكربونات دورًا أقل في مزيج الطاقة العالمي، حيث أصبحت مصادر الطاقة المتجددة أكثر انتشارًا. ومع ذلك، ستظل الهيدروكربونات مهمة كمواد خام للصناعات، مثل البتروكيماويات والبلاستيك. وبالتالي، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة في وضع جيد يؤهلها لأن تصبح رائدة عالمياً في تصدير تقنيات وخدمات الطاقة منخفضة الكربون.
التأثير على الصناعات
ومن المتوقع أن يؤثر التحول إلى الطاقة المنخفضة الكربون بشكل كبير على مجموعة متنوعة من الصناعات. على سبيل المثال، يعمل قطاع النقل على إزالة الكربون من مستقبله من خلال التحول إلى السيارات الكهربائية. باعتبارها واحدة من الأسواق الرائدة في العالم للسيارات الكهربائية، أدخلت حكومة الإمارات العربية المتحدة سياسات لتشجيع اعتماد السيارات الكهربائية، مثل الإعفاءات الضريبية، والبنية التحتية للشحن، وأماكن مخصصة لوقوف السيارات. بالإضافة إلى ذلك، أعلن العديد من مصنعي السيارات الكهربائية عن خطط لبدء عملياتهم في دولة الإمارات العربية المتحدة. وفي وقت سابق من هذا العام، أظهر استطلاع أن 70% من السائقين في الإمارات يفكرون في شراء سيارة كهربائية، مما يشجع الشركات المصنعة على الاستجابة للطلب.
وبالتالي فإن التحول إلى السيارات الكهربائية له تأثير كبير على صناعة السيارات. تستثمر شركات صناعة السيارات التقليدية بكثافة في تطوير السيارات الكهربائية. وهناك شركات ناشئة جديدة في مجال السيارات الكهربائية آخذة في الظهور. يؤدي التحول إلى السيارات الكهربائية أيضًا إلى خلق فرص جديدة للشركات في البنية التحتية للشحن وسلسلة توريد البطاريات.
ويتحول قطاع التصنيع أيضًا إلى مصادر طاقة أنظف وأكثر استدامة. وبالإضافة إلى الاستثمار في الطاقة المتجددة بشكل مباشر، تعمل بعض الشركات المصنعة على تطوير منتجات وخدمات جديدة لدعم تقنيات كفاءة الطاقة، مثل تطوير وتصنيع الألواح الشمسية وتوربينات الرياح وغيرها من التقنيات ذات الصلة. ومن المتوقع أن يساعد التصنيع الأنظف في خفض التكاليف وتحسين الكفاءة وخلق فرص عمل جديدة.
إن حركة الطاقة المنخفضة الكربون في دولة الإمارات العربية المتحدة لا تقتصر فقط على الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة. ويتعلق الأمر أيضًا بتنويع اقتصاد البلاد وخلق فرص العمل. يعد تحول الطاقة في دولة الإمارات العربية المتحدة بمثابة قفزة إلى الأمام بالنسبة للبلاد، فهو مفيد للبيئة، ومفيد للاقتصاد، ومفيد للمستقبل.
فادي الشبابي، شريك، رئيس قسم الاستدامة (الشرق الأوسط) في شركة KPMG Lower Gulf.
