أعلن الجيش الإسرائيلي الثلاثاء أن 21 جنديا قتلوا في قطاع غزة في الهجوم الأكثر دموية على القوات الإسرائيلية منذ الغارة التي شنتها حماس في 7 أكتوبر والتي أدت إلى الحرب، وهي انتكاسة كبيرة يمكن أن تزيد من الدعوات المتزايدة لوقف إطلاق النار.
وبعد ساعات، أعلن الجيش أن القوات البرية طوقت مدينة خان يونس الجنوبية، ثاني أكبر مدينة في قطاع غزة، حيث قُتل وجُرح عشرات الفلسطينيين في قتال عنيف في الأيام الأخيرة.
ونعى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الجنود لكنه تعهد بالمضي قدما في الهجوم حتى تحقيق “النصر التام” على حماس. كما وعد بإعادة أكثر من 100 رهينة محتجزين في غزة. لكن الإسرائيليين منقسمون على نحو متزايد حول مسألة ما إذا كان من الممكن القيام بأي من الأمرين، وقد أدت الأعداد الكبيرة من الضحايا الإسرائيليين إلى الضغط على الحكومة الإسرائيلية لحملها على وقف العمليات العسكرية السابقة.
وفي الوقت نفسه قال مسؤول مصري كبير إن إسرائيل اقترحت وقف إطلاق النار لمدة شهرين يتم بموجبه إطلاق سراح الرهائن مقابل إطلاق سراح الفلسطينيين المسجونين لدى إسرائيل والسماح لكبار قادة حماس في غزة بالانتقال إلى بلدان أخرى.
وقال المسؤول، الذي لم يكن مخولا بإحاطة وسائل الإعلام وتحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن حماس رفضت الاقتراح وتصر على عدم إطلاق سراح المزيد من الرهائن حتى تنهي إسرائيل هجومها وتنسحب من غزة. ورفضت الحكومة الإسرائيلية التعليق على المحادثات.
وقال المسؤول إن مصر وقطر، اللتين توسطتا في اتفاقيات سابقة بين إسرائيل وحماس، تعملان على تطوير اقتراح متعدد المراحل لمحاولة سد الفجوات. ودعت عائلات الرهائن إسرائيل إلى التوصل إلى اتفاق مع حماس، قائلين إن الوقت ينفد لإعادة الرهائن إلى وطنهم أحياء.
وكان جنود الاحتياط الإسرائيليون يقومون يوم الاثنين بإعداد متفجرات لهدم مبنيين في وسط غزة عندما أطلق مسلح قذيفة صاروخية على دبابة قريبة. وتسبب الانفجار في انفجار العبوات الناسفة، مما أدى إلى انهيار المبنيين المكونين من طابقين على الجنود بداخلهما.
وقتل ما لا يقل عن 217 جنديا منذ بدء الهجوم البري في أواخر أكتوبر، من بينهم ثلاثة قتلوا في حادث منفصل يوم الاثنين، وفقا للجيش.
واعترف نتنياهو بأن هذا كان “أحد أصعب الأيام” منذ بدء الحرب وقال إن الجيش سيبدأ تحقيقا. وكتب على موقع X المعروف سابقًا باسم تويتر: “باسم أبطالنا، ومن أجل حياتنا، لن نتوقف عن القتال حتى النصر المطلق”.
وشنت إسرائيل هجومها بعد أن عبرت حماس الحدود في 7 تشرين الأول/أكتوبر، فقتلت أكثر من 1200 شخص واختطفت حوالي 250 آخرين. وتم إطلاق سراح أكثر من 100 فلسطيني في نوفمبر/تشرين الثاني مقابل وقف إطلاق النار لمدة أسبوع والإفراج عن 240 فلسطينياً تعتقلهم إسرائيل.
وتسبب الهجوم في دمار واسع النطاق، وتشريد ما يقدر بنحو 85 في المائة من سكان غزة، وخلف أكثر من 25 ألف قتيل فلسطيني، وفقا لمسؤولي الصحة في المنطقة التي تديرها حماس. وتقول الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة الدولية إن القتال تسبب في كارثة إنسانية حيث يواجه ربع سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة المجاعة.
وأدت الحرب إلى تفاقم التوترات الإقليمية، حيث قامت الجماعات المدعومة من إيران في لبنان وسوريا والعراق واليمن بمهاجمة أهداف أمريكية وإسرائيلية دعماً للفلسطينيين. شنت الولايات المتحدة وبريطانيا موجة أخرى من الضربات يوم الاثنين ضد المتمردين الحوثيين في اليمن، الذين استهدفوا الشحن الدولي في البحر الأحمر فيما يصورونه على أنه حصار على إسرائيل.
ويعتقد أن حماس تكبدت خسائر فادحة لكنها استمرت في إبداء مقاومة شديدة في مواجهة واحدة من أكثر الهجمات الجوية والبرية دموية في التاريخ الحديث. ولا يزال المسلحون يقاتلون القوات الإسرائيلية في أنحاء القطاع ويطلقون الصواريخ على إسرائيل.
ووقع الهجوم الذي أودى بحياة الجنديين على بعد نحو 600 متر من الحدود في مخيم المغازي وهو أحد مخيمات اللاجئين الثلاثة المبنية في وسط غزة والتي يعود تاريخها إلى حرب عام 1948 التي أعقبت قيام إسرائيل.
وتركزت العمليات البرية على المخيمات، وكذلك على خان يونس، بعد أن زعمت إسرائيل أنها هزمت حماس إلى حد كبير في شمال غزة في عمليات تسببت في دمار واسع النطاق لذلك الجزء من القطاع، بما في ذلك مدينة غزة.
وقال الجيش إن قواته قتلت عشرات المسلحين في خان يونس في الأيام الأخيرة وتمكنت من تطويق المدينة. ولم تقدم أدلة، ولم يتسن التأكد بشكل مستقل من تفاصيل القتال هناك.
وتعتقد إسرائيل أن قادة حماس ربما يختبئون في مجمعات أنفاق واسعة أسفل خان يونس، مسقط رأس زعيم الحركة الأعلى في غزة، يحيى السنوار، الذي لا يُعرف موقعه. ويُعتقد أيضًا أن قادة حماس يستخدمون الرهائن كدروع بشرية، مما يزيد من تعقيد أي جهود إنقاذ.
انهارت شبكات الإنترنت والهاتف في غزة مرة أخرى يوم الاثنين للمرة العاشرة خلال الحرب، مما يشكل تحديًا آخر للمستجيبين الأوائل ويجعل من المستحيل على الناس الوصول إلى أحبائهم في أجزاء مختلفة من القطاع.
وأدى تزايد عدد القتلى والوضع الإنساني المتردي إلى زيادة الضغوط الدولية على إسرائيل لتقليص هجومها والموافقة على مسار لإنشاء دولة فلسطينية بعد الحرب. وقد انضمت الولايات المتحدة، التي قدمت مساعدات عسكرية حاسمة للهجوم، إلى تلك الدعوات.
لكن نتنياهو، الذي تراجعت شعبيته منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، والذي يخضع ائتلافه الحاكم لأحزاب اليمين المتطرف، رفض كلا المطلبين.
وبدلا من ذلك، قال إن إسرائيل ستحتاج إلى توسيع عملياتها والسيطرة في نهاية المطاف على جانب غزة من الحدود مع مصر، حيث يتكدس مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين فروا من مناطق أخرى في الملاجئ المكتظة التي تديرها الأمم المتحدة ومخيمات الخيام المترامية الأطراف.
وأثار ذلك احتجاجا غاضبا من الحكومة المصرية التي رفضت المزاعم الإسرائيلية بأن حماس تقوم بتهريب أسلحة عبر الحدود شديدة الحراسة.
وقال ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، يوم الاثنين، إن أي تحرك إسرائيلي لاحتلال المنطقة الحدودية “سيؤدي إلى تهديد خطير” للعلاقات بين البلدين، اللذين وقعا معاهدة سلام تاريخية منذ أكثر من أربعة عقود. كما تشعر مصر بقلق عميق إزاء أي تدفق محتمل للاجئين الفلسطينيين إلى شبه جزيرة سيناء.
وقال رشوان إن مصر تسيطر بشكل كامل على الحدود بعد اتخاذ عدد من الإجراءات في السنوات الأخيرة، بما في ذلك إنشاء منطقة عازلة بطول 5 كيلومترات (3 أميال) وبناء حواجز فوق وتحت الأرض.
وقال رشوان إن مصر “قادرة على الدفاع عن مصالحها وسيادتها على أرضها وحدودها، ولن ترهنها في أيدي مجموعة من القيادات الإسرائيلية المتطرفة التي تسعى إلى جر المنطقة إلى حالة الصراع وعدم الاستقرار”.
