الجزائر –
وفي الأيام القليلة الماضية، كثفت الجزائر وواشنطن الجهود الدبلوماسية لتهدئة العلاقات. جرى لقاء بين سفير الجزائر بواشنطن صبري بوقادوم وجوشوا هاريس نائب مساعد وزير الخارجية المكلف بشؤون شمال إفريقيا. جاء ذلك بعد أن قام هاريس بجولة في المنطقة. وأجرى وزير الخارجية الجزائري آنذاك أحمد عطاف اتصالا هاتفيا مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن تناولت عدة قضايا إقليمية من بينها الحرب في غزة والصحراء الغربية والتنمية في منطقة الساحل.
ويبدو الآن من الواضح أكثر من أي وقت مضى أن الجزائر تريد إنهاء التوترات مع واشنطن، حيث تدرك أن المنطقة ككل تغرق في الاضطرابات في وقت تجد فيه الدولة الواقعة في شمال إفريقيا نفسها تواجه مشاكل مع فرنسا ومنطقة الساحل.
هذا الشهر، شغلت الجزائر إلى جانب الإكوادور واليابان ومالطا وموزمبيق وسويسرا مقعدا لمدة عامين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والذي انتخبتهم الجمعية العامة للأمم المتحدة في يونيو الماضي.
منذ رفض عضوية مجموعة البريكس مؤخرا، والذي اعتبر بمثابة انتكاسة خطيرة للجزائر، أظهرت واشنطن والجزائر تقاربا غير متوقع. وقال مراقبون لـ”العرب ويكلي” إن الجزائر أرادت التأكيد على وفرة خياراتها الاستراتيجية، في حين سعت الولايات المتحدة إلى ملء الفراغ وجذب الجزائر رغم بعض الخلافات القائمة.
وأضاف المراقبون أن الاتصالات تأتي في إطار التعاون، خاصة أن واشنطن أبدت انفتاحا ملحوظا قائلة إنها تريد توسيع التعاون ليشمل الاقتصاد والتكنولوجيا والزراعة والأسلحة، إضافة إلى الطاقة والأمن.
ويرى مراقبون أن العلاقات ومصالح الجانبين تقاطعت في الآونة الأخيرة بشكل غير مسبوق، خاصة بعد شعور الجزائر بأنها تعرضت لخداع روسي في منطقة الساحل، حيث أصبحت مجموعة فاغنر الروسية ذراعا عسكريا قويا للانقلاب حكومتي مالي والنيجر.
ولم يتباطأ النظامان في مالي والنيجر في تهديد مصالح الجزائر وأمنها على حدودها الجنوبية. ويقابل ذلك استعداد أميركي واضح للتدخل عسكرياً لمواجهة النفوذ الروسي، إذا تلقت دعوة لذلك من الفصائل العرقية المسلحة في مالي أو النيجر.
وأجرى عطاف اتصالا هاتفيا مع بلينكن مساء السبت.
وأصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بيانا جاء فيه أن الوزير أنتوني بلينكن تحدث اليوم مع وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف للتشاور بشأن مجموعة من الأولويات العالمية.
“رحب الوزير بلينكن بالجزائر في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وأكد مجددا تقديره للتعاون الوثيق في القضايا المعروضة على المجلس. وأضاف البيان أنهما ناقشا في هذا الصدد التهديدات التي يتعرض لها الأمن البحري في البحر الأحمر وأهمية زيادة المساعدات الإنسانية للفلسطينيين في غزة.
وأشار إلى أن بلينكن “كرر موقف الولايات المتحدة بأنه لا ينبغي أن يكون هناك تهجير قسري للفلسطينيين من غزة والتزامنا بالعمل من أجل سلام إقليمي أوسع ودائم يضمن أمن إسرائيل ويعزز إقامة دولة فلسطينية”.
وجاءت المكالمة بين كبار الدبلوماسيين بعد أيام قليلة من اللقاء الذي جمع صبري بوقادوم وجوشوا هاريس في مبنى السفارة الجزائرية بواشنطن، حيث ناقشا العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية.
وطرحت السفارة الجزائرية مذكرة مختصرة. لكن مراقبين أكدوا أن قضية الصحراء الغربية كانت بارزة في المحادثات، خاصة العلاقات الجزائرية المغربية التي شهدت قطيعة منذ صيف 2021.
وقالت السفارة: “كان اللقاء فرصة للتأكيد مجددا على أهمية مواصلة تعزيز العلاقات الثنائية ومناقشة العديد من القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك”.
وقبل أسابيع قليلة، كان هاريس في المنطقة، حيث زار الجزائر والرباط وعرض وجهة نظر بلاده لحل نزاع الصحراء الغربية وتطبيع العلاقات بين البلدين. والهدف هو تجنب المزيد من التوترات، في ضوء رغبة واشنطن في احتواء أي تصعيد محتمل لأي صراع خاصة مع الحروب المستمرة في أوكرانيا وغزة.
وقال مراقبون إن الولايات المتحدة عازمة على احتواء الوضع في المنطقة، ودفع الأطراف الفاعلة هناك إلى صياغة حل يرضي جميع الأطراف، من خلال دعم جهود المبعوث الأممي إلى الصحراء الغربية، ستافان دي ميستورا.
وأضاف المراقبون أن واشنطن مقتنعة بضرورة خلق حالة من الاستقرار، والتفرغ للصراع المحتدم بين مختلف الفصائل المتنافسة على النفوذ السياسي في منطقة الساحل.
ولا يستبعد مراقبون أن تكون الاتصالات الأميركية الجزائرية تكثفت في الآونة الأخيرة بسبب اعتزام واشنطن تأطير الموقف الجزائري داخل مجلس الأمن، بعد أن أصبحت عضوا غير دائم منذ بداية العام الجديد.
وقالوا إن الخطاب السياسي الجزائري يظهر انحيازا واضحا للأدب التقليدي الذي يشيد بـ “حركات التحرر، وينصر الشعوب المضطهدة، ويندد بالحرب الإسرائيلية على غزة”.
