بعد ساعات من التصفيق والارتياح لتوصل العالم أخيرا إلى اتفاق المناخ التاريخي في دبي، اعترف المبعوث الأميركي الخاص جون كيري بأنه يعتقد أن ذلك قد لا يحدث أبدا.
وأشار المفاوض الدولي المخضرم إلى محادثة مع أحد الوزراء الذي أعرب عن قلقه بشأن التوصل إلى اتفاق من شأنه أن يشير إلى نهاية الوقود الأحفوري.
وقال كيري: “قال وزير من إحدى تلك الدول المعنية: جون، لا يمكنك أن تطلب منا الانتحار الاقتصادي”.
ولم يذكر اسم الدولة لكن السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم قادت الهجوم ضد أي لغة قوية ضد الوقود الأحفوري. وكانت الكويت والعراق أيضا معارضين قويين.
وفي النهاية، تبنت ما يقرب من 200 دولة يوم الأربعاء اتفاقا ينص على أن العالم سوف “يتحول بعيدا عن الوقود الأحفوري” من أجل تحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050.
وكانت هذه هي المرة الأولى منذ 28 عاما من تاريخ مؤتمر الأطراف التي يتم فيها ذكر جميع أنواع الوقود الأحفوري في اتفاقية.
وقال كيري يوم الأربعاء “لم أعتقد قط أننا سنحظى بهذا القدر من الاتساع الذي لدينا اليوم، لأكون صادقا معكم”.
إنه ليس وحده.
وقال مفاوض أوروبي: “لم يكن الأمر مأمولاً”.
– المقاومة السعودية –
وقال مفاوض أوروبي آخر إن المضيفين الإماراتيين يتعرضون لضغوط شديدة من “الأخ الأكبر” – المملكة العربية السعودية – و”على الجانب الآخر”، من الاتحاد الأوروبي والجزر الأكثر عرضة للطقس المتطرف.
وتركز الصدام حول كلمة “التخلص التدريجي” التي دفعها تحالف غير مسبوق من الدول والتي يكرهها منتجو النفط.
وبعد عدة ليالٍ طويلة من المفاوضات والتعديلات الثقيلة، تم التوصل إلى حل وسط: “الانتقال بعيدًا”.
وقال مستشار رئيس COP28 سلطان الجابر إن النص “تمت معايرته بدقة”: فهو “ليس مثاليًا” لكل من منتجي النفط الرئيسيين أو الدول الجزرية.
– الطموحون –
وعلى الرغم من الاضطرار إلى التخلي عن كلمة “التخلص التدريجي”، فإن ما يسمى بتحالف “طموح” من البلدان ما زال يشعر بأنه حقق شيئاً لم يكن من الممكن تصوره قبل عام واحد فقط.
بدأ التحالف الانتقائي، الذي يضم دولًا أوروبية إلى كندا وكولومبيا وتشيلي وكينيا، مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين بشكل جيد من خلال وضع خلافاته جانبًا حول قضية أخرى في اليوم الأول من القمة.
وفي وقت قياسي، في 30 نوفمبر/تشرين الثاني، أطلق مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28) صندوق “الخسائر والأضرار” الذي سيغطي تكلفة الكوارث المناخية في البلدان المعرضة للخطر.
ومع إبعاد هذه القضية “الشائكة”، تحالف التحالف الذي يضم أكثر من مائة دولة لقيادة الحملة ضد الوقود الأحفوري.
وعندما اقترح جابر يوم الاثنين مسودة اتفاق تشير فقط إلى أن الدول “يمكنها” خفض إنتاج الوقود الأحفوري واستهلاكه، واصل التحالف الضغط.
وفي اجتماعهم مع جابر، أثاروا احتمال إنهاء مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28) دون التوصل إلى اتفاق.
– شروط التسوية –
عاد جابر إلى لوحة الرسم، لكن “الانتقال بعيدًا” لم يكن من بنات أفكاره.
وتم استخدام لغة مماثلة في نوفمبر/تشرين الثاني في اتفاق بين أستراليا وجزر المحيط الهادئ دعا إلى التحول عن النفط والغاز والفحم بما يتماشى مع الجهود العالمية للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية.
لقد عاد مصطلح “الانتقال” خلال أزمة ليلة الاثنين في دبي عندما تم استخدامه من قبل أستراليا والنرويج، وهما منتجان رئيسيان للوقود الأحفوري.
وقالت المفاوض الإماراتي هناء الهاشمي لوكالة فرانس برس الخميس “في رأيي، الإنهاء التدريجي هو مصطلح انتخابي والانتقال هو سياسة عامة دولية. سمعنا المزيد والمزيد من الناس يذكرونه في الساعات القليلة الماضية”.
– الصين والولايات المتحدة –
ولم يكن من الممكن التوصل إلى توافق في الآراء دون موافقة الصين والولايات المتحدة، اللتين تمثلان فيما بينهما 41 في المائة من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
وكان كيري قد التقى مع مبعوث المناخ الصيني شيه تشن هوا قبل مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28)، مما مهد الطريق لتعاون وثيق خلال القمة التي تستمر أسبوعين في الإمارات.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني، أصدر الجانبان بياناً مشتركاً في كاليفورنيا دعا إلى تسريع نشر الطاقة المتجددة من أجل “تسريع استبدال توليد الفحم والنفط والغاز”.
وحرصاً منها على عدم الإضرار بشراكتها الهشة مع الصين، سمحت الولايات المتحدة للدول “الطموحة” بقيادة معركة التخلص التدريجي.
وقال مفاوض أوروبي إن الوفد الأمريكي أبدى القليل من الحماس في البداية. لكن كيري ألقى في النهاية خطابات حماسية مؤيدة لقضيتهم.
وقال المفاوض إن المساهمة الأمريكية الرئيسية كانت تأمين دعم الصين.
وأضاف أن “إبقاء الصين في الركب يعد في حد ذاته إنجازا رائعا”.
– إعداد منهجي –
كما تم منح الفضل أيضًا للمضيفين الإماراتيين، الذين عملوا في القمة الضخمة لمدة عام وواجهوا شكوكًا من نشطاء المناخ في قدرة دولة غنية بالنفط على تقديم صفقة مرضية.
وتعززت هذه الشكوك عندما تم تعيين جابر، الذي يرأس شركة النفط الوطنية أدنوك، رئيسا لمؤتمر الأطراف الثامن والعشرين في يناير/كانون الثاني 2022.
فهو لم يساعد قضيته في وقت مبكر بإصراره على الحديث عن خفض “الانبعاثات” بدلاً من الوقود الأحفوري.
غير جابر لهجته في يونيو/حزيران، عندما بدأ يقول إن “التخفيض التدريجي” للوقود الأحفوري أمر “حتمي”.
وخلال الشهر الماضي وحده، أجرى الفريق المفاوض الإماراتي أكثر من 40 مشاورة.
وقال الدبلوماسي الكوبي بيدرو لويس بيدروسو، الذي يرأس مجموعة الـ77 + الصين المؤثرة التي تمثل 134 دولة نامية، لوكالة فرانس برس إن “الإمارات تصرفت بشكل ملحوظ وشامل في العملية برمتها”.
وقال “لكي أكون صادقا، لا أعتقد أنهم جاءوا إلى مؤتمر الأطراف هذا بنص مسبق على الإطلاق”.
