الجزائر-
أشارت اتصالات هاتفية لتبادل التهاني بالعام الجديد إلى استئناف الاتصالات بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره الجزائري عبد المجيد تبون، في ظل استمرار تعثر العلاقات بين البلدين بسبب عدد من القضايا العالقة.
وقالت مصادر بالجزائر العاصمة إن الرئيسين ناقشا خلال محادثتهما الهاتفية العلاقات الثنائية واحتمال القيام بزيارة الرئيس تبون المؤجلة إلى باريس.
وفي مقابلة أجراها مؤخرا مع منصة “أثير” القطرية للإعلام الإلكتروني، قال وزير الخارجية أحمد عطاف إن العلاقات بين الجزائر وباريس لا تزال تعاني من عدد من المواضيع المثيرة للجدل.
وسرد من بينها قضايا الذاكرة والتنقل والتعاون الاقتصادي والتجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية أثناء الحكم الاستعماري ومطالب الجزائر التي لم تتم تلبيتها بإعادة السيف وكذلك محرقة الأمير عبد القادر.
وقال كبير الدبلوماسيين الجزائريين إنه على الرغم من “اضطرار الرئيس للذهاب إلى شاتو دامبواز حيث كان الأمير عبد القادر مسجونا… رفضت السلطات الفرنسية (إعادة سيف الأمير والمحرقة) بحجة الحاجة إلى قانون”.
وأضاف أن الجانب الفرنسي أصر على أن إعادة الممتلكات يجب أن يسبقها مجموعة من “الإجراءات القانونية المعقدة”.
وفيما يتعلق بالتجارب النووية الفرنسية، أشار عطاف إلى أن الجزائر تطالب ليس فقط “بالاعتراف بالأضرار الناجمة” بل أيضا “بالتعويض”.
وشدد على أن بلاده عازمة على الحصول على اعتراف رسمي من فرنسا بـ”جرائمها النووية” في الصحراء الجزائرية والموافقة على تعويض الأضرار الناجمة عن تفجيراتها النووية.
وأجرت فرنسا أول تجربة ناجحة لقنبلة ذرية في عمق الصحراء الجزائرية عام 1960.
وكانت باريس في الستينيات تتبع سياسة دفن جميع النفايات المشعة الناتجة عن التجارب الجزائرية في رمال الصحراء، ورفضت على مدى عقود الكشف عن مواقعها.
بين عامي 1960 و1966، أجرت فرنسا 17 تجربة نووية جوية أو تحت الأرض بالقرب من مدينة رقان، على بعد 1200 كيلومتر من العاصمة الجزائر وفي أنفاق جبلية في موقع كان يسمى آنذاك عين عكر.
وعلى مستوى التعاون الاقتصادي، كشف عطاف أن “باريس رفضت إنشاء صندوق استثماري بين الجزائر وفرنسا بقيمة 100 مليون دولار، وقالت إنها لا تحتاجه”.
وقال الرئيس الجزائري إن زيارته إلى فرنسا “ما زالت مستمرة، ونأمل أن تكون زيارة عمل وليست سياحية”.
منذ 2019، تشهد العلاقات الجزائرية الفرنسية فتوراً، يصل أحياناً إلى نقطة شبه القطيعة، كما حصل بعد الخلاف حول التسلل الفرنسي المزعوم للناشطة الفرنسية الجزائرية المعارضة أميرة بوراوي بداية العام الماضي.
وحكم على بوراوي، الذي فر إلى فرنسا عبر تونس في فبراير/شباط، غيابيا بتهمة “الخروج غير القانوني من الإقليم”.
ورغم زيارة الرئيس الفرنسي للجزائر عام 2022، لم يتم تطبيع العلاقات وظلت الدبلوماسية الهاتفية وسيلة الاتصال الوحيدة بين قادة البلدين.
ويقول خبراء في العلاقات الجزائرية الفرنسية إن الرئيسين يواجهان ضغوطا داخلية تعيق تحسين العلاقات. فمن ناحية، يتعين على تبون أن يحسب حساباً لفصيل داخل حاشيته، وخاصة الجيش، الذي يعارض أي تقارب مع باريس. من ناحية أخرى، يواجه ماكرون ضغوطا متزايدة من اليمين المتطرف، الذي يسعى إلى فرض مزيد من القيود على تدفقات الهجرة الجزائرية إلى فرنسا، وهو متشدد ضد أي تسويات يمكن أن تحل القضايا العالقة بين الجزائر وباريس.
ويشير المحللون إلى أن العقبات التي تحول دون ذوبان الجليد في العلاقات ظلت كما هي منذ سنوات، وحتى اجتماعات اللجنة المشتركة التي عقدت في الأسابيع الأخيرة لم تحقق الكثير من التقدم. ولا تزال الحدة المفرطة تشوه أي ذكرى للأحداث المؤلمة من التاريخ الماضي، وخاصة خلال الاستعمار الفرنسي للجزائر.
يقول الخبراء إن المصالح المشتركة تملي اتباع نهج أكثر إيجابية في العلاقة. وتشمل هذه الأمور التعامل مع الوضع الأمني غير المستقر في غرب أفريقيا. لكن الكثيرين في المؤسسات الأمنية والعسكرية في كلا البلدين لا يتفقون مع بعضهم البعض.
في الوقت الحاضر، الجزائر وفرنسا راضتان عن إضفاء أفضل وجه على علاقتهما الصعبة.
وهم يكررون، إلى جانب وزير الخارجية الجزائري، أن الاستعدادات لزيارة تبون إلى باريس لا تزال مستمرة، رغم أن الظروف المثالية لم تتحقق بعد.